سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ أَحْمَدَ بْنَ عِمْرَانَ الْهَرَوِيَّ يَقُولُ : سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ الدَّرَّاجَ ، يَقُولُ : كَانَ يَصْحَبُنِي كُلَّ سَنَةٍ حَجَجْتُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُشَاةِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ لِمَعْرِفَتِي بِالطُّرُقِ وَالْمِيَاهِ فَكُنْتُ أَتَوَلَّى الْقِيَامَ بِأَمْرِهِمْ فَعَزَمْتُ سَنَةً مِنَ السِّنِينَ أَنْ أَحُجَّ مُنْفَرِدًا لَا يَصْحَبُنِي أَحَدٌ وَلَا أَصْحَبُ أَحَدًا فَخَرَجْتُ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ الْقَادِسِيَّةِ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مَجْذُومًا مُبْتَلًى فِي الْمِحْرَابِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَالَ : يَا أَبَا الْحُسَيْنِ عَزَمْتَ الْحَجَّ ؟ فَأَجَبْتُهُ مُغْتَاظًا عَلَيْهِ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ لِي : فَالصُحْبَةَ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَرَبْتُ مِنَ الْأَصِحَّاءِ الْأَقْوِيَاءِ ابْتَلَى بِمَجْذُومٍ مُبْتَلًى فَقُلْتُ : لَا ، فَقَالَ لِي : افْعَلْ فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا فَعَلْتُ ، فَقَالَ لِي : يَصْنَعُ اللَّهُ لِلضَّعِيفِ حَتَّى يَتَعَجَّبَ الْقَوِيُّ ، فَقُلْتُ : نَعَمْ كَالْمُنْكِرِ عَلَيْهِ فَتَرَكْتُهُ فَصَلَّيْتُ الْعَصْرَ وَمَشَيْتُ نَحْوَ الْمُغِيثَةِ فَبَلَغْتُهَا مِنَ الْغَدِ ضَحْوَةً فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا فَإِذَا الشَّيْخُ جَالِسٌ فِي الْمِحْرَابِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَقَالَ لِي : يَا أَبَا الْحُسَيْنِ ، يَصْنَعُ اللَّهُ بِالضَّعِيفِ حَتَّى يَتَعَجَّبَ الْقَوِيُّ ، فَاعْتَرَضَنِي الْوَسْوَاسُ فِي أَمْرِهِ وَلَمْ أَجْلِسْ وَغَدَوْتُ مَاشِيًا حَتَّى بَلَغْتُ الْقَرْعَاءَ مَعَ الصُّبْحِ فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا بِالشَّيْخِ قَاعِدٌ فَقَالَ لِي : يَا أَبَا الْحُسَيْنِ يَصْنَعُ اللَّهُ بِالضَّعِيفِ حَتَّى يَتَعَجَّبَ الْقَوِيُّ ، قَالَ : فَبَادَرْتُ إِلَيْهِ وَوَقَعْتُ عَلَى وَجْهِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَقُلْتُ : الْمَعْذِرَةَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ ، فَقَالَ لِي : مَا لَكَ ؟ قُلْتُ : أَخْطَأْتُ ، قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قُلْتُ : الصُّحْبَةُ قَالَ : قَدْ حَلَفْتَ وَأَكْرَهُ أَنْ أُحْنِثَكَ ، قُلْتُ : فَأَرَاكَ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ قَالَ : هَذَا نَعَمْ ، قَالَ : فَطَارَ عَنِّي مَا كَانَ مِنَ التَّعَجُّبِ وَالْجَزَعِ وَمَا كَانَ بِي إِلَّا أَنْ يَجْمَعَني وَإِيَّاهُ الْمَنَازِلُ فَكُنْتُ أَلْقَاهُ فِي الْمَنَازِلِ إِلَى أَنْ بَلَغْتُ الْمَدِينَةَ فَغَابَ عَنِّي فَلَمْ أَرَهُ فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمَشَايِخِنَا أَبِي بَكْرٍ الْكَتَّانِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْمُزَيِّنِ وَغَيْرِهِمَا فَاسْتَحْمَقُونِي وَقَالُوا : ذَاكَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَجْذُومُ ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَيَسْأَلُ اللَّهَ رُؤْيَتَهُ وَلِقَاءَهُ مُنْذُ كَذَا ، فَقُلْتُ : قَدْ كَانَ ذَاكَ ، فَقَالُوا : إِنْ لَقِيتَهُ فَتَلَطَّفْ لَهُ وَأَعْلِمْنَا لَعَلَّنَا نَرَاهُ ، فَقُلْتُ : نَعَمْ فَطَلَبْتُهُ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ فَلَمْ أَرَهُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَنَا أَرْمِي الْجَمْرَةَ جَذَبَنِي إِنْسَانٌ وَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا الْحُسَيْنِ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ فَلَحِقَنِي مِنْ رُؤْيَتِهِ أَنْ صِحْتُ وَغُشِيَ عَلَيَّ وَسَقَطْتُ فَذَهَبَ فَقَصَدْتُ مَسْجِدَ الْخَيْفِ وَأُخْبِرْتُ أَصْحَابِي فَعَاتَبُونِي ، فَكُنْتُ أُصَلَّى يَوْمَ الْوَدَاعِ خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ رَافِعًا يَدَيَّ فَجَذَبَنِي إِنْسَانٌ مِنْ خَلْفِي فَالْتَفَتُ فَقَالَ : يَا أَبَا الْحُسَيْنِ عَزَّمْتُ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَصِيحَ فَقُلْتُ : نَعَمْ لَكِنْ أَسْأَلُكَ الدُّعَاءَ لِي ، فَقَالَ : سَلْ مَا شِئْتَ ، فَسَأَلْتُ اللَّهَ ثَلَاثًا فَأَمَّنَ عَلَى دُعَائِي وَغَابَ عَنِّي فَلَمْ أَرَهُ ، قَالَ مَنْصُورٌ : فَسَأَلْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ الدَّرَّاجَ عَنْ سُؤَالَاتِهِ ، قَالَ : أَحَدُهَا قُلْتُ : رَبِّ حَبِّبْ إِلَيَّ الْفَقْرَ ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ ، وَالثَّانِي قُلْتُ : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي أُبَيِّتُ عِنْدِي مَا أَدَّخِرُهُ لِغَدٍ فَأَنَا مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ أَبِيتُ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ أَدَّخِرُهُ ، وَالثَّالِثَةُ قُلْتُ : اللَّهُمَّ إِذَا أَذِنْتَ لِأَوْلِيَائِكَ فِي النَّظَرِ إِلَيْكَ فَارْزُقْنِي ذَلِكَ وَاجْعَلْنِي مِنْهُمْ ، فَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَمُنَّ اللَّهُ بِالثَّالِثَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ