عنوان الفتوى : آراء الفقهاء في صلاة صاحب السلس عدة صلوات بوضوء واحد
أنا مصاب بسلس بول، فهل أتوضأ لكل صلاة عند دخول وقتها أم يجوز لي أن أتوضأ قبل دخول وقتها، وهل إذا كان علي صلوات فائته وأردت قضاءها فهل يلزمني الوضوء لكل صلاة على حدة أم يكفي وضوء واحد لكل الصلوات، مثلا إن كان علي ثلاث صلوات فائته أو أكثر أو أقل؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن طهارة صاحب السلس مقيدة بالوقت، فإذا دخل الوقت وأراد الصلاة فليتوضأ بعد الاستنجاء وشد المحل بخرقة ونحوها، لمنع انتشار النجاسة، ثم يدخل في الصلاة مباشرة ولو تأخر بسبب ما يتعلق بالصلاة مثل انتظار فضل الجماعة فلا يضره ذلك أي لا ينتقض وضوؤه بما خرج أثناء انتظار الجماعة، قال ابن قدامة في المغني وهو يذكر كيفية وضوء أصحاب الأعذار ومنهم صاحب السلس: فإن توضأ أحد هؤلاء قبل الوقت، وخرج منه شيء بطلت طهارته، لأن دخوله يخرج به الوقت الذي توضأ فيه، وخروج الوقت مبطل لهذه الطهارة، كما قررناه. إلى أن قال: فإن دخل في الصلاة عقيب طهارته، أو أخرها لأمر يتعلق بمصلحة الصلاة، كلبس الثياب وانتظار الجماعة، أو لم يعلم أنه خرج منه شيء جاز. وإن أخرها لغير ذلك، ففيه وجهان: أحدهما: الجواز، لأنها طهارة أريدت للصلاة بعد دخول وقتها، فأشبهت التيمم، ولأنها طهارة ضرورة، فتقيدت بالوقت كالتيمم، والثاني: لا يجوز، لأنه إنما يباح له الصلاة بهذه الطهارة مع قيام الحدث للحاجة والضرورة، ولا ضرورة هاهنا. انتهى.
ثم إنما ذكر من بطلان وضوء صاحب السلس بخروج الوقت الذي توضأ فيه، محله إذا خرج منه شيء بعد الوضوء، أما إذا لم يخرج منه شيء فقد اختلف، هل يكتفي بالوضوء الأول أم لا بد من ضوء آخر؟ ولبيان كلام أهل العلم في ذلك تراجع الفتوى رقم: 75694 هذا عن الشق الأول من السؤال.
أما الشق الثاني منه فقد اختلف في وضوء المستحاضة ومن في حكمها مثل صاحب السلس هل يصلى به أكثر من فرض أم لا بد لكل صلاة من وضوء، فذهب الحنابلة إلى أنه يصلى به أكثر من فرض وتصلى به الفوائت أي أن صاحب السلس يصلي بوضوء واحد ما شاء من الفوائت وغيرها ما دام ذلك في الوقت ولم يحدث حدثا آخر غير السلس، ويتفق الأحناف في هذا الحكم مع الحنابلة، وهذا موافق أيضاً للمذهب المالكي لأن وضوء صاحب السلس عندهم مثل وضوء الصحيح، أما في المذهب الشافعي فلا يصلي صاحب العذر بوضوئه أكثر من فرض واحد سواء في ذلك الفائتة والمؤداة، ومن خلال ما ذكرنا وما سنذكره من النصوص يعلم أن أكثر فقهاء المذاهب الأربعة يرون أن صاحب السلس يصلي بوضوئه ما شاء من الصلوات فرضاً كانت أو نفلاً مؤداة أو مقضية، وأنه لا يطالب بالوضوء لكل صلاة ما دام ذلك في الوقت الذي توضأ فيه ولم يحدث حدثاً غير السلس.
قال ابن قدامة في المغني وهو حنبلي: قال أحمد في رواية أحمد بن القاسم: إنما أمرها أن تتوضأ لكل صلاة، فتصلي بذلك الوضوء النافلة والصلاة الفائتة، حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، فتتوضأ أيضاً وهذا يقتضي إلحاقها بالتيمم، في أنها باقية ببقاء الوقت، يجوز لها أن تتطوع بها، وتقضي بها الفوائت، وتجمع بين الصلاتين، ما لم تحدث حدثاً آخر، أو يخرج الوقت. انتهى.
قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع: مذهبنا أنها لا تصلي بطهارة واحدة أكثر من فريضة مؤداة كانت أو مقضية.. إلى أن قال: وممن قال إنه لا يصح بوضوئها أكثر من فريضة عروة بن الزبير وسفيان الثوري وأبو ثور. وقال أبو حنيفة: طهارتها مقدرة بالوقت فتصلي ما شاءت من الفرائض الفائتة في الوقت فإذا خرج بطلت طهارتها، وقال ربيعة ومالك وداود: دم الاستحاضة ليس بحدث فإذا تطهرت صلت ما شاءت من الفرائض والنوافل إلى أن تحدث بغير الاستحاضة. انتهى.
ومن المعلوم عند الفقهاء أن صاحب السلس مثل المستحاضة في هذا الحكم.
والله أعلم.