عنوان الفتوى : ما يفعل الورثة بمال مورثهم الحرام
هل يجوز لأبنأء شخصٍ ما ومتعارف عنه أن ماله قد اكتسبه بطرق غير مشروعه أن يرثه أبناؤه؟
الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز ملكية المال الحرام بالإرث ، إذا كان الوارث يعلم أن مورثه قد اكتسبه بطريق حرام ، وسبب اختلافهم هو هل للوارث أن يحوز هذا المال مع علمه بحرمة كسبه ، وعدم إقرار الشارع للوسيلة التي جاء بواسطتها؟
أم أنه يجوز له أن يأخذه ، والإثم في ذمة المورث الذي سعى في كسبه بطريق محرم؟ فمنهم من أباح ملكيته بالإرث ، ومنهم من حرمها ، ومنهم من فرق بين ما علم مالكه وبين ما جهل مالكه ، فحرّم الأول وأباح الثاني.
ولكن الراجح عندنا والموافق لمقتضى العدل وقواعد القياس أن وارث المال الحرام لا يحل له أخذه ، سواء كان مالكه مجهولا أو معروفا ، وأنه لا فرق بين الوارث والمورث في حرمة الانتفاع بالمال الحرام ، فكما لا يجوز للمورث الذي سعى لكسب المال الحرام الانتفاع به ، فمن باب أولى أن لا يجوز لوارثه الذي لم يسع فيه ، ولم تَجُل يده عليه.
والموت ليس سببا لإباحة أخذ المال الحرام ، والقول بأن المورث مات والوزر عليه دون الوارث لا يغير من حقيقة أن هذا المال جاء بطريق محرم لا يقره الشارع وهذا الأمر -أعني حرمة أخذ المال الحرام بالإرث ووجوب رده إلى أهله- واضح فيما إذا كان رب المال الحقيقي معروفا ، وأما إذا كان مجهولا كما هو الواقع في أغلب الأموال المحرمة في زماننا هذا ، إذ الغالب فيها أن تكون فوائد ربوية أو رشاوى ، أو نحو ذلك مما يصعب معه تحديد المالك الحقيقي ، فالظاهر أنه لا يجوز تملكه بالإرث أيضا ، وذلك أن المال في الأصل ملك لله تعالى ، يبين ذلك قوله تعالى : ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) [الحديد: 7] وقوله (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) [النور: 33] وقد ملكه الله تعالى لعباده بالطرق المشروعة التي أذن فيها ، فإن جهل مالكه الحالي ، عاد إلى مالكه الأصلي وهو الله تبارك وتعالى.
ولما كان الله تعالى غنيا عن كل ملك فقد ملكه لعباده الفقراء ، فيعاد هذا المال إليهم بالصدقة ، وإذا كان الورثة فقراء ساغ لهم أن يأخذوا هذا المال إذا كان مجهول المالك ، وليأخذوه على سبيل الصدقة عليهم ، لا على سبيل الميراث.
والله أعلم.