عنوان الفتوى : أسباب انتكاسة المستقيم حديثاً ونصائح لمن يريد طلب العلم
أريد نصيحة لمن التزم حديثاً ، وماذا يفعل لكي لا ينتكس ؟ ونصائح بماذا يبدأ بالقراءة من الكتب بعد القرآن .
الحمد لله.
أولاً :
يفرح الله تعالى بتوبة عبده مع أنه تعالى هو الموفِّق لهذا التائب أن يتوب ، وهو سبحانه لا تضره معاصي الخلق ولو كثرت ، وهذا من عظيم رحمة الله تعالى بخلقه ، وعظيم فضله ، والذي ننصح به إخواننا المستقيمين على الهداية والمتوجهين نحو طريق الخير هو :
1. حمد الله تعالى وشكره بصدق وإخلاص ، أن وفقهم لأن يهتدوا لطريق الجنة ، وأن يعلموا أنه لولا الله ما اهتدوا ولا صلوا ، ويحتاج مع الحمد والشكر إلى دعاء الله تعالى أن يثبته على الدين والحق ؛ فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، يا مصرف القلوب اصرف قلبي إلى طاعتك ) ونحن أولى بهذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم .
2. التزام طاعة الله تعالى بأداء الواجبات المفروضة ، والحرص على زيادة التقرب إلى الله تعالى بعد الفرائض بفعل السنن ؛ لتحصيل محبة الله تعالى ، ومن أحبَّه الله ثبَّته على الطريق ، وزاده هدى وتوفيقاً .
فعَنْ أَبِي هُريرة رضي الله عنه قالَ : قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ الله تَعالَى قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً ، فَقَدْ آذنتُهُ بالحربِ ، وما تَقَرَّب إليَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افترضتُ عَليهِ ، ولا يَزالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ ، فإذا أَحْبَبْتُهُ ، كُنتُ سَمعَهُ الّذي يَسمَعُ بهِ ، وبَصَرَهُ الّذي يُبْصِرُ بهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبطُشُ بها ، ورِجْلَهُ الّتي يَمشي بِها ، ولَئِنْ سأَلنِي لأُعطِيَنَّهُ ، ولَئِنْ استَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ) . رواهُ البخاريُّ ( 6137 ) .
3. التطلع إلى رضوان الله تعالى ، والتشوق للقائه سبحانه ، وعدم الانشغال بالدنيا ، بمباحاتها وملذاتها ، ولتكن همة هذا المستقيم على الطاعة علوية لا سفلية ، وليكن هدفه تحصيل السعادة الأبدية في دار لا يهرم فيها ولا يمرض ، وهي الجنة .
4. وعليه بطلب العلم ، وأول الطلب البداءة بحفظ كتاب الله تعالى ، ثم النظر في السنَّة المطهرة ، والقراءة في كتب العقيدة السلفية والتوحيد والفقه ، ومن شأن معرفة المسلم لدينه أن يزداد تمسكاً به ، ومن أعظم أسباب الانتكاس والسقوط في الطريق ، الجهل بالدين وعدم معرفته .
5. وعليه أن يحرص على الصحبة الصالحة ، وترك الصحبة الفاسدة ، وخاصة من كان معه في طريق الغواية من قبل ؛ لئلا يكون هؤلاء سبباً في رجوعه طريقه القديم ، وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك ، فهو إما أن يعطيك منه ، وإما أن تشم منه رائحة طيبة ، وشبَّه جليس السوء بنافخ الكير ، فهو إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تشم منه رائحة خبيثة ، وهكذا هو الصاحب الصالح ، والصاحب السيئ ، فالأول إما أن يدلك على الخير ، ويرشدك إلى الصواب ، وإلا فإنك سترى منه الخير في سمته وهديه وخلُقه ، وأما الصاحب السيئ فهو إما أن يدلك على المعصية فتفعلها ، أو أنه يباشرها بنفسه فلا ترى منه إلا شرّاً وتشجيعاً على فعل الفواحش ، فيجب الحرص على الصحبة الصالحة ، كما يجب هجر الصحبة الفاسدة .
6. الحذر من المعاصي الصغائر منها والكبائر ، فإن معظم النار من مستصغر الشرر ، والمعصية تأتي بأختها ، والقلب إذا أظلم واسودَّ بسبب المعاصي : لم يعد قلباً حيّاً يعرف المعروف ، وينكر المنكر ، فالحذر الحذر من المعاصي .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا : كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ( أي : طعامهم ) ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا ( أي : شيئاً كثيراً ) ، فَأَجَّجُوا نَارًا ، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا ) .
رواه أحمد ( 37 / 467 ) وحسَّنه شعيب الأرناؤوط ، وصححه الألباني .
7. الحذر من فتنة المال ، فعلى من رزقه الله تعالى مالاً أن يجعل ذلك المال عوناً له على طاعة الله ، وينفقه في مرضات الله ، كبناء المساجد ، وطباعة الكتب ، وتسجيل الأشرطة ، وتوزيع المطويات ، وليحرص على أداء العمرة والحج ، وليحذر من إسرافه في المباحات ، أو تبذيره في المحرمات ، فقد يكون المال سبباً لفتنة الإنسان في دينه ، وصدق الله العظيم إذ يقول : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) التغابن/15
8. على المهتدي تعمير قلبه بالإيمان ، فالقلب إذا صلح صلحت الأعضاء ، وإذا فسد فسدت الأعضاء ، فليحرص على قراءة القرآن ، والاستكثار من الطاعات .
9. وقد يكون من أسباب انتكاس الشاب : عدم وجود زوجة ، فليحرص على الزواج ، وتكوين أسرة ، وليحرص على تأديبهم وتعليمهم ، وكونه عزباً مظنة للوقوع في المعاصي ، والتعلق بالشهوات ، وكثرة السهر ، وترك الحياة الجدية ، والرضا بحياة الراحة والدعة والكسل .
10. وأخيراً : فإن المتهدي حديثاً يحتاج إلى التعقل في أداء الطاعات ، والحكمة في دعوة الناس ؛ فإن بعض من يهديه الله تعالى لطريق الحق يُشدِّد على نفسه بالطاعات ، ويقسو على الآخرين في دعوتهم وتذكيرهم ، ولعلَّ هذا أن يكون سبباً في انتكاسته ، فليحرص على التعقل ، والحكمة ، والرفق ، وليحرص على مشاورة أهل العلم والاستفسار منهم ، واستنصاحهم ، فإن في ذلك الخير العظيم له .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ) .
رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 1 / 187 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 56 ) .
وانظر شرح هذا الحديث وتفصيل هذه النقطة في جواب السؤال رقم : ( 70314 ) .
ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الحق ويرزقنا الإخلاص والصدق في القول والعمل .
ثانياً :
وأما طالب العلم المبتدئ في الطلب : فلا بد من توجيه نصائح له في طلبه للعلم ؛ حتى يكون مأجوراً مثاباً على الطلب ، وإلا صار عليه نكالاً :
1. أخلص في نيتك في طلب العلم .
واعلم أن طلب العلم عبادة ، وأن الله تعالى لا يقبل من العبادات إلا ما كان خالصاً لوجهه ، فلا تطلب العلم من أجل الشهرة والرفعة والتعالي والمال ومجاراة السفهاء ومماراة العلماء ، بل اجعل طلبك خالصاً لوجه الله تعالى ، تمتثل به أمر الله تعالى ، وترفع الجهل عن نفسك ، وعن غيرك .
2. اصبر في الطلب ، ولا تستعجل قطف الثمرة ، فالطريق طويل وشاق ، و " من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة " .
3. اعمل بما تعلم ، فقد " هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل " .
4. ابدأ بصغار العلم قبل كباره ، فلا تبدأ بـ " فتح الباري " و " المجموع " و " المحلى " ، بل ابدأ بالمتون الصغيرة إلى أن تصل إلى تلك الكبيرة .
5. احرص على أن تقرأ على شيخ موثوق في دينه وعلمه ، فإن لم يكن فطالب علم ممن سبقوك في الطريق .
6. نوِّع طرق الطلب حتى لا تمل ، فاجعل منها القراءة والسماع والمشاهدة .
7. احرص على اقتناء الكتب المحققة .
8. لا تبدأ بكتب الخلاف قبل ضبط أصول الأدلة من القرآن والحديث الصحيح .
9. تواضع لله تعالى ، وإياك من داءين خطيرين : الكبر ، والحسد ، وقد كان السلف يسمعون ممن هو أكبر منهم ليتعلموا الأدب ، وممن هو أصغر منهم ليتعلموا التواضع ، وممن هو مثلهم ليزيلوا داء الحسد من قلوبهم .
10. لا تستعجل الفتوى ، واحرص على المذاكرة ، وتلخيص ما تقرأ ، وتدوين الفوائد ، ومراجعتها ، واحرص على تعليم الجاهل ما استفدته من العلم ، وقد قال تعالى : ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) البقرة/3 .
وانظر جواب السؤال رقم ( 10324 ) ففيه جملة من آداب طالب العلم .
ثالثاً :
وأما الكتب التي يبدأ بقراءتها بعد قراءة كتاب الله تعالى ، والحرص على حفظه : فهي كثيرة ، وقد ذكرنا أهم هذه الكتب الموثوقة ، وما يناسب كل مرحلة من مراحل طلب العلم ، فانظرها في جوابي السؤالين : (14082) و (20191)
وننبه على أن في موقعنا هذا تحت تصنيف " العلم والدعوة / العلم " جملة وافرة من الأجوبة التي يستفيد منها طالب العلم في الآداب والأحكام والنصائح .
ونسأل الله دائما أن يوفقك ، وأن ييسر لك العلم النافع ، والعمل الصالح ، ومن يهده الله تعالى فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له .
والله أعلم