عنوان الفتوى : القدرية....عقيدتهم....والرد عليهم

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما هو قول القدرية؟ وكيف يمكن الرد عليهم؟هناك من يقولون إن إرادة الإنسان وقوة روحه أو قوة تركيزه أو عزيمته هي وحدها المؤثرة . كيف يمكن الرد على هؤلاء؟هناك من يربطون بين هذا وبين قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)ويقولون إن الدعاء لا يفيد ولكن اليقين(الإرادة) هي التي تؤثر ويجعلون المسلمين كمن كانوا يعبدون الأصنام. كيف يمكن الرد على هؤلاء؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فإن القدرية هم نفاة القدر، الذين يقولون: لا قدر والأمر أنف، أي مستأنف، وهذا ‏نفي لعلم الله تعالى السابق، واعتقاد أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.‏
وهذا قول بين الضلال، وهو كفر بالله تعالى، وتكذيب للمعلوم من الدين بالضرورة.‏
والمعتقد الصحيح الذي تضافرت عليه أدلة الكتاب والسنة إثبات علم الله تعالى ‏السابق، وأنه كتب مقادير الخلائق جميعاً قبل أن يخلقهم، وأنه لا يقع في كونه إلا ما ‏شاء وأراد.‏
قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) [القمر:49] ‏
وقال: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ ‏نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد:22]
وقال: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ ‏صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ‏كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125) إلى غير ذلك من ‏الآيات البينات.‏
وروى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق ‏السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء". وفي الصحيحين ‏‏-وهذا لفظ مسلم - عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم: " ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار" قالوا: يا رسول الله ‏فلم نعمل؟ أفلا نتكل؟ قال: " لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ ‏أَعْطَى واتقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ) إلى قوله (فسنيسره للعسرى).‏
وروى أبو داود في سننه أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال لابنه: يا بني إنك لن ‏تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ‏ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول ما خلق الله القلم، ‏فقال له: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة" يا بني سمعت رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم يقول: " من مات على غير هذا فليس مني" .‏
وقد ورد في السنة أحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم في ذم القدرية ووصفهم بأنهم ‏مجوس هذه الأمة، وهي وإن كانت لا تخلو من مقال، إلا أن بعضها يصل إلى درجة ‏الحسن، منها: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ‏‏"القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم" رواه ‏أبو داود، ورمز له السيوطي بعلامة الصحة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وأول ‏من قال بالقدر: معبد الجهني البصري في أواخر عهد الصحابة، وأخذ عنه غيلان ‏الدمشقي، وقد تبرأ منهم من سمع بهم من الصحابة كعبد الله بن عمر وأبي هريرة وابن ‏عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن أوفى وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم.‏
وفي صحيح مسلم عن يحي بن يعمر قال: كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد ‏الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا ‏أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فسألنا عما يقول هؤلاء في القدر، ‏فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب… فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ‏ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر ‏أنف. قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به ‏عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن ‏بالقدر".‏
ومع إثبات أهل السنة والجماعة للقدر، فإنهم يرون للإنسان اختياراً وإرادة هي مناط ‏التكليف، والعبد وإرادته مخلوقات لله تعالى، وهذا ما أثبته القرآن الكريم وصرحت به ‏السنة النبوية، كقوله تعالى: ( لمن شاء منكم أن يستقيم) وقوله تعالى: ( فمن شاء ‏فليؤمن ومن شاء فليكفر) وقوله: ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ) وقد سبق بيان ‏ذلك مفصلاً في عدة فتاوى، يمكنك الإطلاع عليها من خلال البحث الموضوعي: ‏العقيدة/ أركان الإيمان /الإيمان بالقدر.
ومن هذا يعلم بطلان قول من يقول إن إرادة الإنسان وقوة روحه أو قوة تركيزه أو ‏عزيمته هي وحدها المؤثرة، فإنه لا يقع في كون الله تعالى إلا ما يشاؤه، ولا يستطيع ‏العبد أن يفعل شيئاً إلا إذا أراد الله تعالى ذلك، كما في الآية السابقة ( لمن شاء منكم ‏أن يستقيم* وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) [التكوير:28،29] فأثبت ‏للعبد مشيئة، وأخبر أنها لا تؤثر ولا تنفذ إلا بعد مشيئة الله تعالى، لكن العبد فاعل ‏لفعله حقيقة، ولهذا يحاسب عليه ويجازى. ‏
وأما اشتراط اليقين لإجابة الدعاء فهو كاشتراط طيب المطعم والملبس، وكاشتراط ‏خلو الدعاء من الإثم وقطيعة الرحم، فحضور القلب ويقين الداعي بأن الله سيجبيه ‏سبب لقبول الدعاء، وهو من إحسان الظن بالله تعالى، والله عند ظن عبده به، وقد ‏سبق بيان ذلك تحت الفتوى رقم 9081
وقولهم: الدعاء لا يفيد والمفيد إنما هو اليقين أو الإرادة، خطأ واضح، فإن اليقين هنا ‏يراد به أن تتيقن أن الله سيجيب دعاءك، وهذا لا يكون إلا حيث وجد الدعاء.‏
ولا وجه لتشبيه المسلم الموحد الذي يفرد الله تعالى بالعبادة ويعتقد أنه الخالق المالك ‏الذي لا يقع في ملكه إلا ما أراد، لا وجه لتشبيه هذا المسلم بعابد الصنم.‏
وعباد الأصنام كانوا يثبتون القدر، ولكنهم كانوا يحتجون به على جواز الشرك ‏والانحراف، كما قال تعالى (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) ‏‏[الأنعام:148] والاحتجاج بالقدر على الذنوب والآثام باطل، فإن المشرك يفعل هذا ‏الباطل باختياره، لا يشعر أن أحداً يجبره عليه، فكان واجباً عليه أن يمتثل أمر ربه ‏بتوحيده وترك الإشراك به، وكل هذا في مقدوره وتحت وسعه، وتجد تفصيلاً لهذا ‏الأمر فيما سبق من الفتاوى.‏
والله أعلم. ‏