عنوان الفتوى : حكم التحدث باللغة الانجليزية دون الحاجة لذلك
ماحكم التحدث باللغة ( الانجليزية ) دون الحاجة لذلك ؟ وأرجو كتابة المرجع لكي أستند عليه .
الحمد لِلَّه
أولا :
يقرر علماء اللسانيات والأصوات أن اللغات في العالم بلغت ما يقرب من ثلاثة آلاف لغة
، وأنها تختلف في مستوياتها ، فمنها اللغة الراقية والمتصرفة والثرية ومنها دون ذلك
.
واللغة العربية تتربع في قمة هرم اللغات ، لما لها من خصائص ذاتية في حروفها
وكلماتها التي تقوم على أصول ثلاثية في الغالب ، وتناوبِ الصيغ في أداء المعنى ،
وتقارُبِ معاني ألفاظها مع الأصوات ، وكذلك للخصائص التي تحملها معاني التراكيب
اللغوية ، فيما يسمى بـ " علم البلاغة " .
ولذلك كانت اللغة العربية لغة كتاب الله الخالد ، القرآن الكريم ، وقد اختارها الله
سبحانه لتكون اللسان الذي أنزل به كتابه ، قال الله تعالى : ( وَإِنَّهُ
لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى
قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ )
الشعراء /192-195
قال
الإمام الشافعي رحمه الله :
" ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً ، وأكثرها ألفاظاً ، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه
إنسان غيرُ نبي " انتهى . الرسالة (34)
وقد شهد أهل العلم باللغات بأفضلية اللغة العربية على غيرها من اللغات .
يقول ابن جني في "الخصائص" (1/243) :
" إنا نسأل علماء العربية ، ممن أصله أعجمي ، وقد تدرب قبل استعرابه عن حال اللغتين
، فلا يجمع بينهما ، بل لا يكاد يَقبل السؤال عن ذلك لبعده في نفسه ، وتقدُّمِ لطف
العربية في رأيه وحسه ، سألت غير مرة أبا علي ( يعني الفارسي إمام اللغة المعروف )
عن ذلك ، فكان جوابه عنه نحو ما حكيته "
انتهى .
ويقول ابن سنان الخفاجي في "سر الفصاحة" (45) :
" لا خفاء بميزاتها على سائر اللغات وفضلها "
انتهى
. ثم توسع في شرح ذلك .
وانظر كتاب "البلاغة المفترى عليها" لفضل
حسن عباس (19-78) .
ثانيا :
ومن عرف للغة العربية فضلها وأهميتها أدرك ما ينبغي عليه من شديد العناية بها ،
خاصة وأن الصلاة وهي أهم عبادات المسلم لا تصح إلا بتلاوة كتاب الله العربي ، لذلك
كان المسلمون في شرق الأرض وغربها يتعلمون العربية على اختلاف أجناسهم وأعراقهم ،
حفاظا على وحي الله تعالى الذي أنزله بهذه اللغة ، فإنَّ حفظَ القوالب حفظٌ للمعاني
.
اللهم إلا أننا أصبحنا نجد في عصرنا هذا من يزهد في لغة القرآن ، فينسبها تارة
للعجز ، وأخرى للصعوبة ، لم يغادر شبهة أو تهمة إلا وحاول إلصاقها بها ، ولكن الله
سبحانه وتعالى قيض له من يبين فساد مقالته ، وبطلان دعواه .
كما أننا نجد في زماننا من يزهد بلغته العربية ، تبعية للغرب الذي سلب لُبَّه
بمدنيته الزائفة ، وحضارتِه الموهومة ، فأصبح يستبدل العبارات العربية بالكلمات (
الانجليزية ) تارة ، أو بـ ( الفرنسية ) تارة أخرى ، حتى انحرف لسانه عن لغته
الأصيلة ، وانحرفت أخلاقه وأطباعه تبعا لذلك .
فلهؤلاء وأولئك أنقل لهم كلمة ضافية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، أوفى فيها على
المقصود ، وجمع فيها من المنقول والمعقول في هذا الموضوع ، فقال رحمه الله تعالى في
"اقتضاء الصراط المستقيم" (1/204- 208) :
" اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها
يتميزون ، ولهذا كان كثير من الفقهاء ، أو أكثرهم ، يكرهون في الأدعية التي في
الصلاة والذكر ، أن يدعى الله أو يذكر بغير العربية..
وأما الخطاب بها ( يعني الأعجمية ) من غير حاجة في أسماء الناس والشهور ، كالتواريخ
ونحو ذلك ، منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب .
وأما مع العلم به ، فكلام أحمد بَيِّنٌ في كراهته أيضا ، فإنه كره "آذرماه" ونحوه ،
ومعناه : ليس محرما ، وأظنه سئل عن الدعاء في الصلاة بالفارسية فكرهه وقال : لسان
سوء . وهو أيضا قد أخذ بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم ، وعن
شهود أعيادهم .
وهذا قول مالك أيضا ، فإنه قال : لا يُحرِم بالعجمية ولا يدعو بها ، ولا يحلف بها .
وقال : نهى عمر عن رطانة الأعاجم وقال : " إنها خِبَّ "
( المكر والغش ، المدونة 1/62-63)
، فقد استدل بنهي عمر عن الرطانة مطلقا .
وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن الحكم قال :
سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول :
" لا نحب ألا ينطق بالعربية فيسمي شيئا بالعجمية ، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله
عز وجل لسان العرب ، فأنزل به كتابه العزيز ، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى
الله عليه وسلم ، ولهذا نقول : ينبغي لكل أحد يَقدِرُ على تعلم العربية أن يتعلمها
؛ لأنها اللسان الأَوْلَى بأن يكون مرغوبا فيه ، من غير أن يحرم على أحد أن ينطق
بالعجمية "
فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها ، وأن يتكلم بها خالطا لها
بالعجمية ، وهذا الذي قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين .
روى أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" (9/11) حدثنا وكيع عن أبي هلال عن أبي بريدة
قال : قال عمر : ما تعلم الرجل الفارسية إلا خَبَّ ( صار خَدَّاعًا ) ، ولا خَبَّ
رجل إلا نقصت مروءته .
وقال حدثنا وكيع عن ثور عن عطاء قال : لا تعلموا رطانة الأعاجم ، ولا تدخلوا عليهم
كنائسهم ، فإن السخط ينزل عليهم .
وهذا الذي رويناه فيما تقدم عن عمر رضي الله عنه .
( انظر مصنف عبد الرزاق 1/411)
وقال حدثنا إسماعيل بن علية عن داود بن أبي هند أن محمد بن سعد بن أبي وقاص سمع
قوما يتكلمون بالفارسية فقال : ما بال المجوسية بعد الحنيفية .
ونقل عن طائفة منهم أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية :
قال أبو خلدة : كلمني أبو العالية بالفارسية .
وقال منذر الثوري : سأل رجل محمد بن الحنفية عن الجبن ، فقال : يا جارية اذهبي بهذا
الدرهم فاشتري به نبيزا ، فاشترت به نبيزا ، ثم جاءت به ، يعني الجبن .
وفي الجملة : فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب ، وأكثر ما كانوا يفعلون
إما لكون المخاطب أعجميا ، أو قد اعتاد العجمية ، يريدون تقريب الأفهام عليه ، كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - وكانت صغيرة قد
ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها - فكساها النبي صلى الله عليه وسلم خميصة وقال : (
يا أم خالد هذا سنا ) والسنا : بلغة الحبشة الحسن .
البخاري (5845)
ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لمن أوجعه بطنه : أشكم بدرد .
وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن ، حتى يصير ذلك
عادة للمصر وأهله ، ولأهل الدار ، وللرجل مع صاحبه ، ولأهل السوق ، أو للأمراء ، أو
لأهل الديوان ، أو لأهل الفقه ، فلا ريب أن هذا مكروه ، فإنه من التشبه بالأعاجم ،
وهو مكروه ، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما
رومية ، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية ، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية ،
عودوا أهل هذه البلادِ العربيةَ ، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم ،
وهكذا كانت خراسان قديما .
ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة ، واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم ، وصارت
العربية مهجورة عند كثير منهم ، ولا ريب أن هذا مكروه .
وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب ،
فيظهر شعار الإسلام وأهله ، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب
والسنة وكلام السلف ، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى ، فإنه يصعب
عليه . واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ،
ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ، ومشابهتهم تزيد العقل
والدين والخلق .
وأيضا فإن نفس اللغة العربية من الدين ، ومعرفتها فرض واجب ، فإنَّ فهم الكتاب
والسنة فرض ، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
، ثم منها ما هو واجب على الأعيان ، ومنها ما هو واجب على الكفاية .
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد
قال : ( كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أما بعد ، فتفقهوا في السنة ،
وتفقهوا في العربية ، وأعربوا القرآن فإنه عربي )
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( تعلموا العربية فإنها من دينكم ،
وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم )
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه
؛ لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله ، وفقه
السنة هو الطريق إلى فقه أعماله " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "اللقاء الشهري" (لقاء رقم 3/سؤال رقم 12) :
" السؤال : نجد أن بعض الناس ربما يتخاطب مع غيره من الشباب وغيرهم باللغة
الإنجليزية أو ببعض مفرداتها ، هل يفرق هذا بين من كان في مجال عمل ، كما أننا نحن
مثلاً في المستشفى نتخاطب مع زملائنا باللغة الإنجليزية غالباً ، ولو كان الأمر لا
يحتاج للكلام ، ولكننا تعودنا ذلك بمقتضى مخالطتنا لهم ، فهل في هذا بأس ، وإذا
تكلم الإنسان بكلمة من غير العربية فهل يأثم بذلك ؟
الجواب :
الكلام باللغة غير العربية أحياناً لا بأس به ، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال
لطفلة صغيرة جارية قدمت من الحبشة فرآها وعليها ثوب جميل ، فقال : ( هذا سنا ، هذا
سنا ) أي : هذا حسن ، كلمها باللغة الحبشية ؛ لأنها جاءت قريبة من الحبشة ، فخطاب
من لا يعرف العربية أحياناً باللغة التي يفهمها هو لا بأس به ، وليس فيه إشكال ،
لكن كوننا يأتينا هؤلاء القوم لا يعلمون اللغة العربية ، ثم نتعجم نحن قبل أن
يتعربوا هم ، مثل أن تجد بعض الناس إذا خاطب إنساناً غير عربي بدل ما يقول : لا
أعرف ، يقول : " ما في معلوم " . لماذا يقول : " ما في معلوم " ؟ لأجل أن يعرف ما
يقول له ، والصحيح أن يقول له : لا أعرف ، حتى يعرف هو اللغة الصحيحة ، لكن مع
الأسف الآن نخشى على أنفسنا أن نكون أعاجم "
انتهى .
ويقول الشيخ ابن عثيمين أيضا رحمه الله كما في "لقاء الباب المفتوح" (لقاء رقم 142/سؤال
رقم 3):
" الذي ينطق بالعربية لا ينطق بغير العربية ، ولهذا كان عمر بن الخطاب يضرب الناس
إذا تكلموا برطانة الأعاجم ، والعلماء كرهوا أن يكون التخاطب بلغة غير العربية لمن
يعرف اللغة العربية ، ولذلك - مع الأسف الشديد - الآن عندنا هنا في السعودية التي
هي أم العربية نجد بعضهم يتكلم باللغة غير العربية مع أخيه العربي ، بل بعضهم يعلم
صبيانه اللغة غير العربية ، بل بعضهم يعلمهم التحية الإسلامية باللغة غير العربية ،
سمعنا من يقول لصبيه إذا أراد مغادرته أو أتى إليه ، يقول : " باي باي " ..؟!! ثم
نرى الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد لافتات على بعض المتاجر باللغة غير العربية ،
يعني : في بلادنا العربية يأتي العربي من البلد يقف على هذا الدكان لا يدري ما
معناه ، وما الذي فيه ؟ ولا يدري ما هذا المتجر ؟ ويأتي إنسان أوروبي لا يعرف البلد
، ويقف ويعرف ما في الدكان ، لماذا ؟ لأن المكتوب باللافتة بلغته ، أما نحن فلا ،
وهذا لا شك أنه من نقص التصور في شأننا في الواقع ، من عندك ممن يفهم من اللغة
الإنجليزية ، أي : ولا (1%) من السكان ، ثم تجعل اللافتة على دكانك بهذه اللغة !
هذا أقل ما يكون حياءً من أهل البلد ، لكن الحقيقة أن القلوب ميتة ، وإلا كان
يُهْجَر هذا الذي جعل دكانه باللغة غير العربية !! كان الذي ينبغي لنا نحن ونحن عرب
، والله أنت ما فتحت دكانك لنا ، إنما فتحته لأهل هذه اللغة ونقاطعه ، ولو أننا
قاطعناه لكان غداً يكتبها بالحرف الكبير باللغة العربية ... "
انتهى .
ويقول أيضا رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" ( لقاء رقم/186/ سؤال رقم/15) :
" إذا خاطبك الإنسان بلغته أجب عليه بلغته ، لكن الأفضل أن تبقى الألفاظ الشرعية
على ما كانت عليه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( لا يغلبنكم
الأعراب على صلاتكم العشاء فإنهم يدعونها العتمة ) ؛ لأن الأعراب يعتمون بالإبل ،
وهي في كتاب الله العشاء ، فنهى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يغلبنا الأعراب على
لغتنا مع أنهم عرب ، لكن مع الأسف الآن أن المسلمين غلبتهم البربر والعجم على لغتهم
، فصاروا الآن يتعاملون باللغة الإنجليزية عندنا ، حتى بلغني أن بعض الناس من جهلهم
في مجالسهم العادية يتكلمون باللغة الإنجليزية وهم عرب ، وهذا يدل على الضعف الشخصي
إلى أبعد الحدود ، وعلى عدم الفقه في دين الله ، وكان عمر رضي الله عنه من حرصه على
اللغة العربية التي هي لغة القرآن والحديث يضرب من يتكلم بالفارسية أو بالأعجمية "
انتهى .
وانظر "الآداب الشرعية" لابن مفلح
(3/432-433)
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |