عنوان الفتوى : الاعتماد على التقاويم في معرفة مواقيت الصلاة
إننا باليمن طلبة، وكنا نصلي مع الناس العشاء بعد غروب الشمس بخمس وخمسين دقيقة تقريباً إلى أن جاءنا أحدالمشايخ فأخبرنا بأن هذا خطأ قديم في التقاويم عندنا وأن أقل ما يمكن أن يعتبر دخولا للوقت، ساعة وثمان دقائق لكنه لم يجزم به، فأصبح الناس يصلون هكذا.. ونحن في ريبة من ذلك فقد يكون أكثر من هذا الزمن، فهل لنا أن نصلي جماعة في البيت بعد ساعة ونصف تحققاً من دخول الوقت؟ مأجورين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل في معرفة دخول وقت الصلاة سواء كانت العشاء أو غيرها هو ظهور العلامات التي نصبها الشرع والتي دل عليها الحديث المتفق عليه عن بريدة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة فقال له: صل معنا هذين يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: وقت صلاتكم بين ما رأيتم. رواه البخاري ومسلم.
ففي اليوم الأول صلى الصلوات في أول الوقت، وفي اليوم الثاني أخرها إلى ما قبل خروج الوقت ثم صلاها قبل أن يخرج وقتها، وأخبر أن الصلاة بين هذين الوقتين، ووجدنا أهل العلم عند بيانهم لأوقات الصلاة وشرحهم للأحاديث الواردة في ذلك يعتمدون على هذه العلامات الحسية، وأما الحساب فلم نقف على من عده من طرق العلم بدخول وقت الصلاة من الأئمة المتقدمين وليس معنى ذلك أن الحساب لا قيمة له في أمور أخرى، فقد قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ {يونس:5}، وقال تعالى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ {الرحمن:5}، وقال تعالى: فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {الأنعام:96}، وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ {البقرة:189}، فالحساب يعمل به في أمور أخرى غير وقت الصلاة.
والذي يتتبع أقوال أهل العلم في تقرير أوقات الصلاة يجدهم يعتمدون على العلامات التي نصبها الشرع ولا يذكرون الحساب بل بعضهم صرح بعدم اعتماده، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله في فتح الوهاب: والزوال ميل الشمس عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء إلى جهة المغرب في الظاهر لنا لا في نفس الأمر وذلك بزيادة ظل الشيء على ظله حالة الاستواء أو بحدوثه إن لم يبق عنده ظل.
ونقل الشيخ البجيرمي عن الإمام الشوبري في شرحه عليه قوله: فلو أوقع إحرامه قبل ظهوره لم تنعقد وإن تقدم علمه بذلك بنحو حساب ولا يشكل على دخول رمضان إذا اعتمد فيه على الحساب. وأجيب بأن الصوم احتياطا له فوجب بذلك ومقتضى الاحتياط هنا عدم الانعقاد وبأنهم هنا جعلوا دخول الوقت بالظهور فإذا لم يظهر فلا دخول وإن علم به بغير ظهور.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى: ولو أخبر مخبر بوقت الصلاة وهو مجهول لم يقبل خبره، ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون، ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علم شرعي، فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تصلى إلا إذا شاهدنا ذلك، وإذا جوز الإنسان صدق المخبر بذلك أو غلب على ظنه، فنوى أن يصلي الكسوف والخسوف عند ذلك، واستعد ذلك الوقت لرؤية ذلك، كان هذا حثاً من باب المسارعة إلى طاعة الله تعالى وعبادته.
وعليه فالأصل أن على الناس أن يراعوا العلامات التي نصبها الشرع لوقت الصلاة ولو توافق ذلك مع تلك التقاويم فحسن. ولو قدر أنهم يعملون بالتقاويم دون اعتماد على العلامات الشرعية فعليهم أن يصححوا ذلك، والذي ينظر في الواقع يرى إقرار كثير من أهل العلم المعاصرين للتقاويم حتى استفاض اعتمادها والعمل بها بناء على تلك العلامات عبر علم الحساب، ومع هذا فالذي ينبغي هو أن يقتصر ذلك على المدن الكبيرة التي يتعذر فيها معرفة العلامات الشرعية بسبب الأضواء ونحوها مع وصيتنا لهم بالتحري والاحتياط قدر الإمكان، وعلى كل حال فقد كان الأليق بالشيخ المذكور أن لا يتكلم بما نسب إليه إلا بعد التأكد من صحته لأنه يدخل الحرج والمشقة على كثير من المسلمين بلا برهان ولا بينة.
وأما قولك: هل لنا أن نصلي جماعة في البيت بعد ساعة ونصف تحققاً من دخول الوقت؟ فالجواب: أنه لا ينبغي لكم فعل ذلك وتفويت الجماعة في المسجد لمجرد هذا الاحتمال الذي لا دليل عليه، ولو فعلتم ذلك وعلم بكم الآخرون لربما فعلوا مثلكم فتعطلت جماعة المسجد أو أساؤوا بكم الظن.
والله أعلم.