عنوان الفتوى : حقائق حول المهدي
برجاء من العلماء أريد شخصا أو عالما أؤكد له بأني شبيه المهدي المنتظر حسب صفاته من الحديث النبوي ومن إعجاز من القرآن الكريم ومن تاريخ بلوغي للأربعين وأحب أذكر أني من مكة المكرمة ومن بيت رسول الله؟ تحياتي لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن العلماء موجودون بمكة بكثرة، ويمكنك مراجعة أئمة الحرم المكي أو غيرهم من علماء السنة المعتبرين لتطلعهم على ما عندك، ثم أنا لا نعلم دليلاً في القرآن عن موضوع المهدي، وأما الأحاديث في المهدي فهي كثيرة معروفة فقد جاءت السنة ببيان اسمه وصفته ومكان خروجه، فمن ذلك: ما في الحديث: لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين. رواه أبو داود والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المهدي من عترتي من ولد فاطمة. رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.
وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه أحمد شاكر والألباني. قال ابن كثير في كتابه النهاية في الفتن والملاحم: أي يتوب الله عليه، ويوفقه ويلهمه، ويرشده بعد أن لم يكن كذلك.
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتخرج الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانيا. يعني حججا. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال عنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: هذا سند صحيح رجاله ثقات.
وعن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة. رواه مسلم. وفي رواية عند الحارث ابن أبي أسامة: فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا... الحديث. وهذه الرواية صححها الألباني في الصحيحة، وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ثم ذكر شيئاً لم أحفظه فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي. رواه ابن ماجه والحاكم، وقال: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير: هذا إسناد قوي صحيح.
قال ابن كثير: والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت، كما دل على ذلك بعض الأحاديث. انتهى.
وقال ابن كثير أيضاً: والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة، يقتل عنده ليأخذوه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى يكون آخر الزمان، فيخرج المهدي... انتهى.
فهذا بعض ما ورد في ذكر المهدي وخروجه آخر الزمان، وليعلم أن أحاديثه بلغت حد التواتر كما صرح بذلك جماعة من أهل العلم، قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية: وقد كثرت بخروجه الروايات، حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عد من معتقداتهم. إلى أن قال: وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم، بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة. انتهى.
وقال الشوكاني: والأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر، التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول... انتهى.
ومن طالع هذه الأحاديث علم أن خروجه يكون بعد اقتتال ثلاثة من أبناء الخلفاء على كنز، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، ويكون ذلك قبيل خروج عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم.
هذا، وننصحك بالاهتمام بما يمكنك فعله من العمل للإسلام، فتعلم الوحيين، واعمل بهما، وادع الناس لتعلمهما والعمل بهما، ولا يهمنك أمر المهدي فإنه قد ذكر بعض أهل العلم أنه هو نفسه لا يعلم أنه هو المهدي إلا عند بيعته، كما قال صاحب حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر: ويؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في المهدي أنه يصلحه الله في ليلته أن المهدي لا يعلم بنفسه أنه المهدي المنتظر قبل وقت إرادة الله إظهاره، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف المخلوقات لم يعلم برسالته إلا وقت ظهور جبريل له بغار حراء حين قال له: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وأما قبل ذلك فكان يرى منامات كثيرة تأسيساً لرسالته وتقوية لقلبه، لكنه لم يعلم أن المراد منها تأسيس الرسالة، حتى أنه كان كلما رأى مناماً من تلك المنامات يخبر زوجته خديجة رضي الله عنها ويشكو إليها حاله، فكانت تثبته وتقول له كلاماً يقوي به قلبه، كما هو موضح في كتب الحديث، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ظهور جبريل عليه السلام له، وقوله: "اقرأ باسم ربك.." فبالأولى أن المهدي المنتظر لا يعلم بأنه المهدي المنتظر إلا بعد إرادة الله إظهاره، ولذلك يمتنع من البيعة حتى يتهدد بالقتل ويبايع مكرهاً، فهذا هو سر قوله صلى الله عليه وسلم- يصلحه الله في ليلته - ليعلم من ذلك أنه لم يعلم أنه المهدي إلا وقت إرادة الله إظهاره، فكل من يدعي أنه هو المهدي المنتظر ويطلب البيعة لنفسه أو يقاتل الناس لتحصيلها فهو مخالف لما صرحت به أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ادعى هذه الدعوى كثيرون فيما تقدم من الأزمان ولم تثبت دعواهم، وكان لهم مع الخلفاء وقائع وحروب مذكورة في التواريخ، وقد جمعت أسماؤهم ووقائعهم باختصار في رسالة مستقلة، ليعلم من وقف عليها أن كل من ادعى هذه الدعوى لا تتم له إلا إذا جاءت على طبق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى. انتهى.
والله أعلم.