عنوان الفتوى : كيف يعرف المرء أنه على الحق وأن خلقه حسن
أرجو عدم إهمال سؤالي ولو كان بسيطاً، لأنه كثير من الناس سيستفيدون منه بإذن الله تعالى، وهو في ظل الظروف التي تحيط بالعالم أجمع كيف يعرف الإنسان أنه على حق، فقد تختلط عليه الأمور، فكيف يعرف أنه مؤمن حق الإيمان وكيف يعرف أنه مسلم حق الإسلام، وكيف يعرف أنه على خلق حسن، فمثلاً قد يفعل الإنسان شيئا بسيطا مثل إماطة الأذى عن الطريق أو أن يطعم قطة ضالة، فهل يعتبر هذا خلق حسن أم إيمان أم لا يعتبر شيئاً، وهل يؤجر وما حكم أنه فعل ذلك مقلداً مثلاً أحداً، فهل يأخذ الأجر وهل يترك الإنسان مثل هذه الأمور البسيطة حيث يقول ربما لا تساوي شيئاً؟ أعانكم الله لكل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن على من يريد أن يعلم هل هو على الحق أم لا؟ أن يتعلم الحق ويصحب أهل الحق ويعمل بالحق ويتخلق بما حمده الناس من مكارم الأخلاق، ويعرض نفسه على ما تعلمه فيجعل القرآن والسنة مرآة له يعرض نفسه عليها، ويسألها هل هو متحقق بما فيهما من الصفات والأخلاق الحميدة، وهل هو متخل عما ورد ذمه فيهما من الصفات الذميمة، وهل هو قائم بما أوجب الله عليه وأمره به، وهل هو قائم بترك ما نهاه الله عنه.
وفي مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي : عن الأحنف بن قيس أنه كان جالساً يوماً فعرضت له هذه الآية: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ. فانتبه فقال: علي بالمصحف، لألتمس ذكري اليوم حتى أعلم مع من أنا ومن أشبه، فنشر المصحف فمر بقوم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، وفي أموالهم حق للسائل والمحروم، ومر بقوم: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون. ومر بقوم: يبيتون لربهم سجداً وقياماً. ومر بقوم: ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. ومر بقوم: يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون. ومر بقوم: يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون، والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون.
قال: فوقف ثم قال: اللهم لست أعرف نفسي ههنا ثم أخذ في السبيل الآخر. فمر بقوم: إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون. ومر بقوم: إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون. ومر بقوم يقال لهم: ما سلككم في سقر، قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين. قال فوقف ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء. قال: فما زال يقلب الورق ويلتمس حتى وقع على هذه الآية: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. فقال: اللهم هؤلاء.
وأما إماطة الأذى عن الطريق فهو من شعب الإيمان، وإطعام الدواب من العبادات المرغب فيها شرعاً، ففي الحديث: في كل كبد رطبة أجر.
ومن عمل هذا لا يريد به غير الله نرجو الله أن يثيبه عليه ولا يضره أن يكون مقلداً فيه غيره، فقد ينال المقلد أجراً بسبب اتباعك له، إن كان قد قصد وجه الله بما فعله، وراجع للتفصيل في الموضوع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74127، 34585، 42230.
والله أعلم.