عنوان الفتوى : هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة
ما رأي الشرع في إمام خطيب يستعمل الأسلوب الساخر والمضحك في الانتقاد والموعظة في خطبة الجمعة مما يؤدي إلى ضحك البعض وابتسام البعض الآخر. وهل يعد ذلك لغوا من المصلين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالخطبة شرعت للموعظة والتذكير ومعالجة الأخطاء التي يقع فيها الناس بجد لا بهزل, وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشتد في خطبته, ولذلك فلا ينبغي للخطيب أن يقلب خطبته إلى سخرية وإضحاك للناس ونحو ذلك.. ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم .... قال الإمام النووي في شرح مسلم قوله : إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش، يستدل به على أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ، ويرفع صوته ، ويجزل كلامه ، ويكون مطابقا للفصل الذي يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب . ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرا عظيما، وتحديده خطبا جسيما .
وقال في المجموع 4/400 الثامنة : يستحب كون الخطبة فصيحة بليغة مرتبة مبنية من غير تمطيط ولا تقعير ، ولا تكون ألفاظا مبتذلة ملفقة ، فإنها لا تقع في النفوس موقعا كاملا ، ولا تكون وحشية ، لأنه لا يحصل مقصودها ، بل يختار ألفاظا جزلة مفهمة . انتهى.
وقال الرملي في نهاية المحتاج 2/326 : ويسن أن تكون الخطبة بليغة أي فصيحة جزلة ، لأنه أوقع في القلوب من المبتذل الركيك لعدم تأثيره في القلوب ، مفهومة لا غريبة وحشية إذ لا ينتفع أكثر الناس بها ، وقال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله .
ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه : يكون كلامه مسترسلا مبينا معربا من غير تغن ولا تمطيط .
وأما الضحك في الخطبة فلا ينبغي لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكلام, وعن مس الحصى حال الخطبة, ومثله كل ما من شأنه الاشتغال عن الخطبة والانتفاع بها, فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .... ومن مس الحصى فقد لغا. رواه مسلم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغيت. قال أبو الزناد: هي لغة أبي هريرة وإنما هو: فقد لغوت . قوله صلى الله عليه وسلم : ومن مس الحصى لغا. فيه النهي عن مس الحصى وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة ، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة ، والمراد باللغو هنا: الباطل المذموم المردود . وقال الخادمي في بريقة محمودية: وكذا يكره الضحك في حال الخطبة. اهـ
والله أعلم .