عنوان الفتوى : الصبر على البلاء والرضا بالقضاء من شيم المؤمنين
هذا الرب الذي تتكلمون عنه كلكم لا أعرفه ولم أر منه شيئاً غير الاحتقار والإهمال، أعيش حياة الكلاب منذ 31 سنة، رماني وسط حمقى جاهلين عفنين وأعطاني حياة كلها ألم ودموع واعتداءات حطمني مدى الحياة ولم يعطني لا حياة عائلية طبيعية ولا شخصاً يشفق علي ويساعدني ويعلمني ولا صحة أعول عليها ولا مالاً استعين به، كنت أظن كالأحمق أن الصبر إذا انتهى ولم يعد أحد يحتمل يأتي الفرج فإذا بي لا أجد إلا الألم رداً على دعائي، كلما ذكرته أو حاولت قراءة القرآن أو الصلاة يشتد بي الألم فأتوقف عندي منذ أكثر من 25 سنة مرض أليم لا أعرف حتى الآن ما هو أهذا هو الإسلام أهذا هو ربكم، لم أكن يوماً لا منافقاً ولا فاجراً ولا زانياً ولا سارقاً ولا كذاباً ولا شريراً، أكره الظلم والفجور وأهله، أما اليوم صرت أقرف من ذكر كلمة الإسلام، منذ سنوات وأنا أحاول تفادي الوقوع في هذا الكلام حتى نفد صبري ولم يساعدني، يراني أقترب شيئاً فشيئاً من الكفر ولا يساعدني حتى وقعت فيه ولم أر منه غير الإهمال، ماذا فعلت أنا لأحد، لم أفعل الكبائر، وكل ما فعلت أنا فيه معذور، نفد صبري وعشت عيشة الكلاب ولم يساعدني أحد في شيء وإنما الكثير دائماً موجودون ليقرفوني في عيشتي أهذا هو ربكم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن من كفر بالله أو بنعمه التي لن يستطيع إحصاءها مهما كثرت مصائبه فإنه لا يضر الله شيئاً، وإنما يضر بذلك نفسه، واعلم كذلك أن الابتلاء يأتي من الله لأمور كثيرة: فتارة يكون لتكفير الخطايا ومحو السيئات، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه مسلم.
وتارة يكون لرفع الدرجات، وزيادة الحسنات، كما هو الحال في ابتلاء الله لأنبيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل... فلا يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
قال العلماء: يبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم، وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم فيقتدى بهم، وليس ذلك نقصاً ولا عذاباً، وتارة يقع البلاء لتمحيص المؤمنين، وتمييزهم عن المنافقين، قال الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:2-3}، فيبتلي الله عباده ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليعرف الناس من هم الصابرون على البلاء من غير الصابرين.
وتارة يعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وحسنه السيوطي.
وعلى المؤمن أن يصبر على كل ما يصيبه من مصائب وبلايا لينال أجر الصابرين الشاكرين، ولئلا يجتمع عليه خسران الدنيا والآخرة، فلا شك أن الدنيا دار بلاء ومشقة وعنت لحكم يعلمها الله، ولعل من الحكم في ذلك أن لا يركن الإنسان إلى الدنيا فيخلد إليها ويظن أنها نهاية المطاف، ولكن إذا كابد فيها فسيتعلق قلبه بدار لا نصب فيها ولا وصب، وسيشتاق إلى جوار الرحمن في جنة الخلد، قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء من عظم البلاء. وقيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة. وانظر الفتوى رقم: 25874.
فندعوك وننصحك بالتوبة من هذه الألفاظ التي كتبتها، والتي لم تخل في عمومها من الكفر، وإلى التوبة مما أنت فيه من السخط على إرادة الله وفعله، وإلى التوبة من سائر الذنوب، فإن ما قاسيته في إحدى وثلاثين سنة لا يمكن مقارنته بعذاب أبدي، في نار وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً. متفق عليه من حديث النعمان بن بشير. ونحن على يقين من أنك إذا كان الله قد قدر عليك الشقاء في الأزل، فلن ينفعك نصحنا ودعوتنا.
والله أعلم.