عنوان الفتوى : الأمانة إذا تلفت بين الضمان وعدمه

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

كنت أدرس في الولايات المتحدة، وأوصاني أحد الإخوة من إحدى الدول العربية - وقد كان معنا هناك لفترة وكان طلبه بعد عودته - أن أسلم مبلغا من المال لجهة معينة هناك وقام بتحويل المبلغ على حسابي، فأخبرته بأنني سأقوم بذلك وفعلا صرفت المبلغ وحولته على شكل شيك لأستطيع إرساله بالبريد للجهة المذكورة سابقاً وكلمت الشركة المسؤولة وأخبرتهم عن الموضوع، ولكنني أتلفت الشيك بسبب إهمالي إذ كان موجودًا في جيب بنطالي الذي غسلته، وهذا النوع من الشيكات لا يمكن استرجاع قيمته حسب علمي، فلم أقم بتسديد المبلغ وانشغلت بعدة أمور وقلت بأنني نويت أن أعمل هذا ولكنه لم يتيسر فلعل نيتي تشفع لي وأعلم أنني مخطئ في ذلك، ونسيت الموضوع لفترة طويلة - أكثر من سنتين- وتذكرته بعدها، وقررت بعد أن تيسرت أموري أن أدفع المبلغ من حسابي الشخصي فاتصلت في الشركة وأعطيتهم اسم صديقي ولكنهم قالوا بأن الاسم غير موجود لديهم وأخبرتهم بأن الموضوع حصل منذ سنوات وقال الشخص بأن المفترض أن يظهر الاسم مهما كانت المدة وأنا شبه متأكد من صحة الاسم، فلا أعلم ما علي الآن، مع العلم أنني لم أخبر صديقي لخجلي من خيانتي للأمانة وهو لم يسألني عن ذلك بعدها لثقته بي والله المستعان، وأنا نادم على ذلك وأسأل الله تعالى أن يغفر لي، وسؤالي الآن هو هل يتوجب علي إخبار صديقي بما حدث، وقد أحاول الاتصال بالشركة مرة أخرى للاستفسار ولا أذكر قيمة المبلغ بالتحديد ولكنه لم يكن مبلغاً بسيطاً، فإن لم أستطع إيجاد المعاملة عند الشركة، فهل أتصدق بمبلغ معين ككفارة مثلاً؟ أرجو منكم توجيهي وجزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذا الشيك الذي حولت إليه المبلغ يعتبر أمانة في يدك. والأمانة إذا ضاعت من غير تعد ولا تفريط من المودَع فلا ضمان فيها. لما روى البيهقي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المستودع ضمان.

وجاء في أسنى المطالب: قال ابن القاص وغيره: كل مال تلف من يد أمين من غير تعد لا ضمان عليه. اهـ

لكن الظاهر أنك فرطت في أمانتك لما ذكرته من إتلافك للشيك بسبب إهمالك. وإهمال الوديعة يترتب عليه ضمانها. فقد جاء في الموسوعة الفقهية ما يلي: الإهمال في الأمانات إذا أدى إلى هلاكها أو ضياعها يوجب الضمان, سواء أكان أمانة بقصد الاستحفاظ كالوديعة, أم كان أمانة ضمن عقد كالمأجور, أم كان بطريق الأمانة بدون عقد ولا قصد, كما لو ألقت الريح في دار أحد ثوب جاره. فالعين المودعة -مثلا- الأصل فيها أن تكون أمانة في يد الوديع, فإن تلفت من غير تعد منه ولا إهمال لم يضمن; لأن الأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو الإهمال; لقوله - صلى الله عليه وسلم - { ليس على المستعير غير المغل ضمان, ولا على المستودع غير المغل ضمان}. اهـ

وعليه، فإذا لم تجد وسيلة لاسترجاع هذا المال من الشركة، فالواجب عليك أن تقضيه لصاحبه إلا أن يستحلك منه. وإذا لم تعرف قدره فالواجب أن تحتاط، لأن الذمة لا تبرأ إلا بمحقق.

وليس لك أن تتصدق به إلا إذا لم تتمكن من رده لصاحبه لعدم وجوده بعد البحث والتحري عنه بما لا يدع مجالا لاحتمال الوصول إليه. فإن وصلت إليه بعد ذلك، فهو بالخيار بين أن يرضى بما فعلت، وله أجر ما تصدقت به، أو ترد إليه حقه، وينصرف ثواب الصدقة إليك.

والله أعلم.