عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في الأعور يفقأ عين الصحيح عمدا
سمعت من بعض الناس أنه لو فقأ شخص أعور عين إنسان ظلما وعدوانا، فإنه القصاص يلغى في هذه الحالة، وعلة ذلك أنه يترتب على القصاص أخذ حق فوق الذي لك لأن المعتدي في هذه الحالة سيصبح أعمى فما مدى صحة هذا الكلام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ينبغي للمرء أن يأخذ دينه عن كل من هب ودب، فليست أمور الشرع كحكايات الناس تؤخذ عن فلان وعلان، وإنما تستفاد من أهل العلم كما قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.
وأما ما سألت عنه من حكم الأعور إذا فقأ عين الصحيح عمدا؟ فالجواب: أن أهل العلم اختلفوا في ذلك؛ فالجمهور من الحنفية والشافعية والمالكية على أن عليه القود، إلا أن المالكية قيدوا ذلك بشرط المماثلة في العين, كأن يفقأ يمنى ويمناه سليمة وهكذا. وذهب الحنابلة إلى أنه لا قود وللمجني عليه دية كاملة.
وفي الموسوعة الفقهية تلخيص أقوال أهل العلم ومذاهبهم في المسألة ففيها: إذا قلع الأعور العين اليمنى لصحيح العينين، ويسرى الفاقئ ذاهبة، فذهب الحنفية والشافعية إلى أنه يقتص منه، ويترك أعمى، وإليه ذهب مسروق، والشعبي، وابن سيرين، وابن مغفل، والثوري، وابن المنذر. وفصل المالكية فقالوا: إن فقأ أعور من سالم مماثلته فالمجني عليه بالخيار: إن شاء اقتص، وإن شاء أخذ دية كاملة، وإن فقأ غير مماثلته فنصف دية فقط في مال الجاني، وليس للمجني عليه القصاص لانعدام محله، وإن فقأ الأعور عيني السالم عمدا فالقصاص في المماثلة لعينه، ونصف الدية في العين التي ليس له مثلها. وعند الحنابلة: إن قلع الأعور عين صحيح فلا قود، وعليه دية كاملة، لأنه روي ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما ولم يعرف لهما مخالف في عصرهما، فصار إجماعا. ولأنه لم يذهب بجميع بصره، فلم يجز له الاقتصاص منه بجميع بصره، كما لو كان ذا عينين. وصرح بعض العلماء كالحسن والنخعي بأنه إن شاء المجني عليه أخذ دية كاملة، وإن شاء اقتص، وأعطاه نصف دية. وإن قلع الأعور عيني صحيح فقد صرح القاضي من الحنابلة بأن المجني عليه بالخيار إن شاء اقتص ولا شيء له سوى ذلك لأنه أخذ جميع بصره, وإن شاء أخذ دية واحدة وهو الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وفي العينين الدية. انتهى من الموسوعة الفقهية
قال ابن القاسم في المدونة في الفقه المالكي: سألنا مالكا عن الأعور يفقأ عين الصحيح. فقال: إن أحب الصحيح أن يقتص اقتص، وإن أحب فله دية عينه... قلت: أرأيت أعور العين اليمنى فقأ عين رجل اليمنى..عمدا ؟ قال ابن القاسم: سألت مالكا عنها ; فقال لي: إنما هي عندي بمنزلة اليد والرجل، مثل لو أن رجلا أقطع اليمنى قطع يمين رجل،.. إنه لا قصاص فيه لكن فيه الدية. قال: فقلت لمالك: فالعين مثل ذلك ؟ قال: نعم، واليد والرجل مما لا اختلاف فيه من قوله إنه لا يقتص لليسرى باليمنى ولا لليمنى باليسرى، ففي الذي قال لي مالك دليل على أن العين كذلك أيضا، لا يقتص عين يمنى بيسرى ولا يسرى بيمنى، والأسنان أيضا كذلك. اهـ
وقال الشافعي في الأم: الأعور يفقأ عين الصحيح والصحيح يفقأ عين الأعور كلاهما سواء إن كان الفقء عمدا فالمفقوءة عينه بالخيار إن شاء فله القود، وإن كان خطأ فله العقل خمسون من الإبل على العاقلة..اهـ
وذكر ابن أبي شيبة في مصنفه بعض الآثار عن السلف في ذلك فقال باب(الأعور يفقأ عين إنسان ( 1 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا حفص عن داود عن عامر في أعور فقأ عين رجل فقال: العين بالعين. ( 2 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا غندر عن شعبة عن مغيرة عن إبراهيم في الأعور إذا فقأ عين إنسان فقئت عينه. ( 3 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا محمد بن أبي عدي عن أشعث عن محمد قال: العين بالعين. اهـ
ونقل ابن مفلح الحنبلي عن مهنا في فروعه قال: ولا يقتص منه "أي الأعور" إذا فقأ عين صحيح, ولا أعلم أحدا قال بخلافه إلا إبراهيم وقيل: تقلع عينه. انتهى
فهذه هي أقوال أهل العلم في المسألة وآراؤهم نقلناها مختصرة, وللاستزادة انظر كتبهم وآراءهم وتعليلاتهم لها.
والله أعلم.