عنوان الفتوى : أمور تعين على العفة وغض البصر
أنا شاب والحمد لله لي من الظاهر ما يدل على الإسلام (لحية خفيفة, تقصير السروال)، ولكني أعاني من السرائر ومن أعظمها غض البصر عن المتبرجات إذ بحكم الدراسة فإني أركب وسائل النقل للذهاب إلى الكلية وحتى في هذه الأخيرة يكثر الاختلاط وصحبة السوء، فكيف النجاة أفادكم الله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن النظر إلى النساء الأجنبيات محرم ولو كان بغير شهوة، فإذا كان بشهوة كانت حرمته أشد، قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {النور:30}، وقال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء:36}، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تتبع النظرة النظرة. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
فمن زعم بعد هذا النهي الأكيد أن النظر إلى النساء ليس بمحرم، فقد افترى بهتاناً وإثماً عظيماً، لأنه رد على الله حكمه ونازع الله في أمره، ومعلوم أن من الأسباب المكفرة أن يستحل المرء ما حرم الله أو يحرم ما أحل، قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ {النحل:116}.
وإننا لنقول للأخ السائل -هداه الله وشرح صدره- إن الله تعالى وضع في خلقه غريزة الشهوة، وفتح لها من القتوات المشروعة ما يكفي لصرفها، وسد في وجهها كل ما من شأنه أن يتسبب في انحرافها الذي يؤدي إلى ضعف الإيمان وقلة الدين.
ومن أعظم العلاجات لغض البصر الزواج والصيام لمن لا يستطيع الزواج، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الشباب بالصيام وعلله بأن فيه حماية لهم من النظر المحرم وفعل الفواحش، وأمر بالزواج، وعلل ذلك بأنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. متفق عليه.
ولا بد للمرء من أن يسعى لتحصيل الأسباب التي تعينه على ذلك ومن أهمها:
1- الابتعاد عن رفقاء السوء الذين يدلون على الشر ويعينون عليه، فهم يوم القيامة أعداء لمن كان يصاحبهم، قال الله تعالى: الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67}، ولأن صحبتهم تجلب على المرء أضراراً كثيرة في الدنيا والآخرة، روى الشيخان عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة. وفي الصحيحين عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرء مع من أحب...... وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: فإن فيها بعض أسباب تقوى الله وخشيته والثبات على دينه: 24565، 10800، 1208، 59729.
2- مراقبة الله تعالى في السر والعلن، سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك إليه.
وقال الحارث المحاسبي: المراقبة: علم القلب بقرب الرب، كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره. انتهى.
3- تذكر ما ينعم الله تعالى به على المؤمن في الجنة من الحور العين، وأنه كلما ارتفعت درجته كلما زاد نعيمه، وما أحسن ما قاله ابن القيم في نونيته:
وأعفهم في هذه الدنيا هو الـ * أقوى هناك لزهده في الفاني
فاجمع قواك لما هناك وغمض الـ * عينين واصبر ساعة لزمان
ما هاهنا والله ما يسوى قلا * مة ظفر واحدة ترى بجنان
إلا النقار وسيء الأخلاق * مع عيب ومع نقصان
هم وغم دائم لا ينتهي * حتى الطلاق وبالفراق الثاني
والله قد جعل النساء عوانيا * شرعا فأضحى البعل وهو العاني
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن * تفعل رجعت بذلة وهوان
4- أكثر من مطالعة كتب الترغيب والترهيب، وتلاوة القرآن بتدبر وخشوع، فعسى الله أن يصرف به عنك السوء، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6617، 1256، 1984، 64768 .
فإن لم تستطع أن تحفظ دينك بعد كل ما ذكرنا فإن كنت مضطراً لنيل الشهادة الجامعية أو تحتاجها احتياجاً شديداً كأن يتعذر حصولك على ما يسد حاجتك من عمل بدونها فيجوز حينئذ أن تكمل دراستك في هذه الجامعة المختلطة بشروط منها: أن لا تحضر من المحاضرات إلا ما كان ضرورياً لنجاحك، وتخرج لتوك بعد الانتهاء منها، وأن تجتنب النظر والكلام مع النساء، وأن لا تجلس بقربهن، وأن تختار رفقة صالحة تعينك على غض البصر وحفظ الفرج، وأن تكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة.
ولكن إن كنت تخشى على نفسك من الفتنة وضعف الإيمان فاترك الدراسة فوراً، والسلامة لا يعدلها شيء، واعلم أنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه، كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
وأما الرزق فأمره موكول إلى الله، وقد ضمنه الله حتى للحيوانات والطيور، قال صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً. رواه البزار وابن حبان وصححه، وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق:2-3}.
والله أعلم.