عنوان الفتوى : بيان أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحديث الثاني لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روي بلفظ : الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة . وقد أورده علماء الحديث في كتب الأحاديث الموضوعة؛ كما فعل الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ، والملا علي القاري في المصنوع في معرفة الحديث الموضوع والأسرار الموفوعة في الأخبار الموضوعة ، وقال عنه ابن حجر : لا أعرفه ، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة : لا أصل له .
إلا أن معناه صحيح ، فقد قال السخاوي في المقاصد الحسنة: قال شيخنا ـ يعني ابن حجر العسقلاني ـ : لا أعرفه ولكن معناه صحيح يعني في حديث : لا تزال طائقة من أمتي ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة .اهـ
وليس بين الحديثين تعارض ، فإن الساعة لن تقوم إلا على شرار الخلق ، وقد جاء تفصيل ذلك في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وفيه ذكر الدجال وفيه قال صلى الله عليه وسلم : ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته ، حتى ولو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه . قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال : فيبقى شرار الناس .
والخير الباقي في الأمة إنما يكون قبل هذه الريح التي تقبض أرواح المؤمنين ، ويدل على ذلك حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال . رواه أبو داود وصححه الألباني . وكذلك يدل عليه لفظ : حتى يأتي أمر الله . رواه البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، ورواه مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنهم جميعاً .
وقال ابن حجر المكي في الفتاوى الحديثية عن حديث : الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة . كما نقله عنه العجلوني في كشف الخفاء : لم يرد بهذا اللفظ وإنما يدل على معناه الخبر المشهور : لا تزال طائقة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم . وفي لفظ: من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . وفسر ذلك الأمر بريح لينة يرسلها الله لقبض أرواح المؤمنين، ثم لا يبقى على وجه الأرض إلا شرار أهلها فتقوم الساعة عليهم؛ كما في حديث: لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول: الله الله .اهـ
وقد ورد الجمع بذلك صريحاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ ففي صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن شماسة المهري قال : كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص فقال عبد الله : لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم ، فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة : يا عقبة اسمع ما يقول عبد الله : فقال عقبة : هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك . فقال عبد الله: أجل، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير فلا تترك نفساً في قلبه حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة .
والله أعلم .