عنوان الفتوى : نظرات فيما ورد من أخبار بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة
هذه الأيام تعيش الأمة أياما سيئة, وواقعها مؤلم.. ولكن هل سيصير الأمر أسوء في الأيام الآتية..؟ قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون. وسمعت أن الفساد يزيد ويزيد إلى أن يلقى الناس ربهم يوم القيامة، وسمعت أنه سوف تأتي أيام يرتكب الرجل الفاحشة في الشارع فيطلب منه قوي الإيمان أن يبتعد عن الطريق ولا يستنكرعليه أحد.. ولا أعلم كيف ستتحمل أمة محمد عليه الصلاة والسلام هذا الأمر، المتمسك بدينه الآن كالقابض على الجمر بسبب تداعي الأمم على أمة الإسلام منذ عقود، فماذا يكون الحال في ذلك الوقت، ولكن نفس الوقت نعلم أن الأمة مردها سوف تستقيم وذلك في زمن عيسى عليه السلام، وهناك الكثير من الأحاديث التي فيها أخبار الأمة في المستقبل، هل بعد تداعي الأمم علينا سوف نخرج من حالنا، أم إلى مجيء المهدي المنتظر، وهل يرفع العلم والمصحف وتنتشر الفاحشة في الشارع قبل مجيء المهدي أم بعد، وهل الذين يقولون لا إله إلا الله ويقولون سمعنا آباءنا يقولونها يعتبرون مسلمين أم لا، لأنهم نطقوا ولم يشهدوا. وهل بعد موت المهدي وعيسى عليهما السلام تأتي الريح التي تأخذ أرواح المؤمنين أم تدريجيا يفسق الناس وتحدث الجرائم في الطريق ثم تأتي الريح، أرجو الإجابة في أسرع وقت فإن الواقع يؤلمني، وأنتظر منكم البشارة، أسال الله أن لا نرى تلك الأيام المظلمة؟ جزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أخبار فيما يكون بعد زمانه إلى قيام الساعة، وهذه الأخبار ينبغي فهمها مجتمعة، ولا يصح أن يعزل النص الشرعي عن بقية النصوص، فإن ذلك من أعظم ما يوقع في الغلط، وعلى هذا فإن قوله صلى الله عليه وسلم: لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم. يجب فهمه في ضوء بقية النصوص الشرعية التي تتحدث عن شأن الأمة بعده صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت نصوص كثيرة تدل على بقاء الخير في هذه الأمة؛ كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره. أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وكما في أحاديث الطائفة المنصورة وبقائها في الأمة إلى قيام الساعة، ومن ذلك حديث معاوية رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك. أخرجه البخاري ومسلم. وحديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. أخرجه مسلم. وكذلك أحاديث المهدي التي أخرجها أبو داود وغيره من أئمة الإسلام، وكما في أحاديث نزول المسيح عيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه، وهي أحاديث ثابتة في الصحيح.
وفي ضوء هذه الأحاديث مجتمعة ينبغي أن يفهم حديث: لا يأتي عليكم زمان...... المتقدم ذكره على أحد الوجوه التالية:
الوجه الأول: أن ذلك محمول على الأكثر الأغلب، وعلى ذلك حمله الحسن البصري رحمه الله فإنه سئل عن وجود عمر بن عبد العزيز رحمه الله بعد الحجاج؟ فقال: لا بد للناس من تنفيس.
الوجه الثاني: أن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر، ومن أمثلة ذلك أن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة أحياء، وفي عصر عمر بن عبد العزيز وهو أفضل من عهد الحجاج انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده، لقوله صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني... وهو في الصحيحين. وقوله صلى الله عليه وسلم: أصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون. أخرجه مسلم.
الوجه الثالث: ما حكاه الحافظ ابن حجر عن الإمام ابن بطال أنه قال: وجدت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي قبله حتى تقوم الساعة، لست أعني رضاء من العيش يصيبه ولا مالاً يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون.
وعلى هذا.. فإن الواجب على المسلم بذل الجهد في إصلاح ما يستطيع إصلاحه من أحوال نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته، وله في ذلك أعظم الأجر من الله، لأن نشر الخير في زمن شدة الحاجة إليه أعظم من بذله في وقت الحاجة إليه دون ذلك، فقد قال الله تعالى لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم: لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى {الحديد:10}.
هذا وقد استظهر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى أنه ستقوم بإذن الله خلافة على منهاج النبوة قبل ظهور المهدي، أو على الأقل ستنهض الأمة نهضة شاملة، ولا يبقى إلا ظهور القائد المصلح الذي يقود العالم الإسلامي، وهو المهدي وذلك استناداً للأحاديث التي تبشر بعز الإسلام وتبين أن المستقبل لهذا الدين وغيرها، وانظر طائفة من المبشرات في الفتوى رقم: 32949. وانظر عقيدة أهل السنة في المهدي وصفته، وأدلة خروجه في الفتوى رقم: 6573، والفتوى رقم: 18939.
هذا ونوصيك بقراءة كتابين هامين في هذا الباب، والأول (المهدي وفقه أشراط الساعة) للشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم. والثاني (المستقبل لهذا الدين) للشيخ محمد قطب.
وبالنسبة لسؤالك عن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر نزول عيسى ابن مريم في صحيح مسلم: فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة. ومعنى (يتهارجون تهارج الحمر) أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير ولا يكترثون لذلك، وانظر خبر نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان في الفتوى رقم: 59167، والفتوى رقم: 61838.
وأما سؤالك عن الذين لا يعرفون من الإسلام إلا كلمة التوحيد، وذلك عند اندراس الإسلام واشتداد غربته، فإنهم مسلمون وتنفعهم كلمة التوحيد، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدرس الإسلام كما يدرس وَشيُ الثوب حتى ما يُدرَى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليُسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها، فقال له صِلة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثاً كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة تنجيهم من النار ثلاثاً. رواه ابن ماجه، وقال الألباني صحيح.
والله أعلم.