عنوان الفتوى : حكم نقل أو بيع المسجد للمصلحة
سؤالي: حفظكم الله، في باكستان يوجد منازل على سفوح الجبال، وقد تبرع أحدهم بسطح بيته لبناء مسجد عليه، ثم وسع الله على أهل المنطقة، فحصلوا على مبلغ لبناء مسجد كبير، ومدرسة، وكان لصاحب هذا المنزل، أرض مجاورة كان يبتغي بناء دكاكين عليها، فسارع للتبرع بها لبناء مسجد إلا أنه اشترط عليهم تهديم المسجد الأول وبناء دكاكين مكانه فهل يجوز ذلك شرعاً أم لا أفتونا مأجورين جزاكم الله خيراً
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن بنى مسجداً وأذن للناس بالصلاة فيه، خرج من ملكه وصار وقفاً لله تعالى، وليس له الرجوع في ذلك في قول جماهير أهل العلم.
وليس له هدمه ولا بيعه ولا نقله إلى مكان آخر، إلا إن وجدت مصلحة تعود على الوقف بذلك، كأن يهجر المسجد وتتعطل منافعه، أو يضيق عن أهله فينقل إلى موضع آخر، على ما ذهب إليه بعض أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما إبدال المسجد بغيره للمصلحة مع إمكان الانتفاع بالأول: ففيه قولان في مذهب أحمد. واختلف أصحابه في ذلك، لكن الجواز أظهر في نصوصه وأدلته، والقول الآخر ليس عنه به نص صريح...) مجموع الفتاوى جـ 31 ص 21.
ثم ذكر ما رواه الخلال عن القاسم قال: لما قدم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على بيت المال كان سعد بن مالك قد بنى القصر، واتخذ مسجداً عند أصحاب التمر. قال: فنقب بيت المال، فأخذ الرجل الذي نقبه، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب عمر: أن لا تقطع الرجل، وانقل المسجد، واجعل بيت المال في قبلته، فإنه لن يزال في المسجد مصل، فنقله عبد الله، فخط له هذه الخطة. قال صالح: قال أبي (أحمد بن حنبل): يقال إن بيت المال نقب من مسجد الكوفة فحول عبد الله بن مسعود المسجد. فموضع التمارين اليوم في موضع المسجد العتيق.
قال: وسألت أبي عن رجل بنى مسجداً ثم أراد تحويله إلى موضع آخر؟ قال: إن كان الذي بنى المسجد يرى أن يحوله خوفاً من لصوص، أو يكون موضعه موضع قذر، فلا بأس أن يحوله... سئل أبو عبد الله هل يحول المسجد؟ قال: إذا كان ضيقاً لا يسع أهله فلا بأس أن يجعل إلى موضع أوسع منه... قال: سألت أبي عن مسجد خرب: نرى أن تباع أرضه وتنفق على مسجد آخر أحدثوه؟ قال: إذا لم يكن له جيران، ولم يكن أحد يعمره فلا أرى به بأسا أن يباع وينفق على الآخر.
قال شيخ الإسلام: (ولا ريب أن في كلامه ما يبين جواز إبدال المسجد للمصلحة وإن أمكن الانتفاع به، لكون الانتفاع بالثاني أكمل، ويعود الأول طلقاً).
وقال (أحمد) في رواية أبي طالب: إذا كان المسجد يضيق بأهله، فلا بأس أن يحول إلى موضع أوسع منه). مجموع الفتاوى جـ 31 ص 215ـ 229.
وعليه فإذا كان المسجد الأول يضيق بأهله، أو يشق عليهم الذهاب إليه لارتفاعه، فلا حرج في الانتقال إلى مكان آخر أوسع وأيسر.
فإن تبرع صاحب المسجد بالأرض المجاورة كان محسناً مأجوراً مشاركاً في ثواب من بنى لله مسجداً، لكن ليس له أن يشترط بناء دكاكين له. وإن شاء أن يبيع أرضه لأهل المنطقة فله ذلك.
وإن كان المسجد الأول متسعاً مناسباً لمن حوله، فلا يجوز إخراجه من الوقف بهدم أو بيع ، كما لا يجوز إحداث بناء مسجد قريب منه لما في ذلك من تفريق جماعة المسلمين. والله أعلم.