عنوان الفتوى : حكم عادم الماء ومن استيقظ جنباً آخر الوقت وعجز عن استعمال الماء
إذا قام المسلم من نومه في وقت صلاة الفجر ووجد نفسه محتلما ًوكان الجو باردا والماء باردا بحيث لا يستطيع الاغتسال به لضرره الشديد وإذا أراد تسخينه فات وقت الصلاة أو أنه كان في مكان لا يوجد به ماء فماذا يفعل هل ينتظر لحين تسخين الماء وقضاء الصلاة بعد وقتها أم يتيمم؟أفتونا جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في المسألة الأولى حيث خاف الشخص باستعماله الماء البارد هلاكاً أو أذى شديداً فذهب مالك إلى أنه يقدم تدارك الوقت فيتيمم ويصلي، لأن الوقت مقدم على غيره من واجبات الصلاة الحاضرة بدليل أنه إن استيقظ أول الوقت، وعلم أنه لا يجد الماء إلا بعد خروج الوقت، فإنه يتيمم ويصلي في الوقت بإجماع المسلمين، ولا ينتظر وجود الماء.
وذهب الجمهور إلى أنه يقدم الطهارة ولو أدى ذلك إلى خروج الوقت. وفرقوا بين هذه الصورة وبين الصورة التي قاس عليها المالكية بأنه إنما خوطب بالصلاة عند استيقاظه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فيصلها إذا ذكرها" رواه الأربعة.
وإذا كان إنما أُمر بها بعد الانتباه فعليه أن يفعلها بحسب ما يمكن من الطهارة المعتادة، فيكون فعلها بعد طلوع الشمس فعلاً في الوقت الذي أمر الله بالصلاة فيه.
واستدل الجمهور أيضا بعموم قوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) [المائدة: 6]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإن وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير" رواه الترمذي والنسائي وأبو داود وأحمد، إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة المصرحة بأن التيمم لا يجوز مع وجود الماء والقدرة على استعماله، وهذا واجد للماء قادر على استعماله فليس التراب طهوراً له كمن لم يخف فوات الوقت. وهذا القول هو الراجح.
وأما بالنسبة لعادم الماء، فإن كان في حَضَر فعليه التيمم والصلاة وهو الراجح كما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وذهب أبو حنيفة في رواية عنه أنه لا يصلي لأن الله تعالى شرط السفر لجواز التيمم فلا يجوز لغيره. وإذا صلى بالتيمم ثم قدر على الماء وعلى استخدامه فهل يعيد الصلاة؟ فذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه إلى أنه يعيد لأنه عذر نادر فلا يسقط به الفرض، وذهب الإمام مالك إلى أنه لا يعيد لأنه أتى بما أمر به فخرج من عهدته، ولأنه صلى بالتيمم المشروع على الوجه المشروع فأشبه المريض والمسافر، وهذا القول هو الراجح.
وإذا كان عادم الماء مسافراً مسافة يقع عليها اسم السفر جاز له التيمم، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد، وقيل لا يباح التيمم إلا في السفر الطويل الموجب للقصر والراجح الأول.
وإذا صلى المسافر بتيممه ثم وجد الماء فهل يعيد الصلاة؟ فإن كان وجده بعد خروج الوقت فلا إعادة عليه بإجماع العلماء، وإن وجده في الوقت لم يلزمه إعادة أيضاً، سواء يئس من وجود الماء في الوقت أو غلب على ظنه وجوده فيه، وهو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف.
وقال عطاء وطاووس والقاسم بن محمد والزهري وابن سيرين وربيعة يعيد الصلاة. والراجح مذهب الجمهور، وإن كان العلماء قد اتفقوا على أن عادم الماء بعد طلبه المعتبر يجوز له التيمم، ولا فرق في الجواز بين أن يتيقن وجود الماء في آخر الوقت أو لا يتيقنه، لكنهم اختلفوا في أفضلية تقديم التيمم في أول الوقت أو تأخيره. فذهب أحمد إلى أن الأولى له أن يؤخر التيمم بكل حال.
وذهب مالك إلى أنه يستحب التأخير إن رجا وجود الماء، وإن يئس من وجوده استحب تقديمه، وإن شك خُيِّر، وذهب الشافعي إلى أن الصلاة بالتيمم أفضل إلا إذا تيقن وجود الماء في آخر الوقت، لأنه لا ينبغي ترك فضيلة أول الوقت ـ وهي متحققة ـ لأمر مظنون. والله أعلم.