عنوان الفتوى : القرآن منهج لتقويم الحياة والمجتمع
بسم الله الرحمن الرحيمحضرة الشيوخ الأفاضل المحترمين أنا تعرضت إلى سؤال من أحد الأشخاص المسيحيين وهو يقول إن الإنجيل يتكلم عن حدائق بابل المعلقة، فأنا قلت لهم إذا كان هذا الكلام صحيحا فلا بد أن يكون الإسلام تكلم على هذا الموضوع، لأن الدين الإسلامي خاتم الديانات السماوية وهو صالح لكل زمان ومكان، فأرجو من سيادتكم أن تكتبوا لي ما يتعلق بهذا الموضوع لكي أناقش به مع الشخص المسيحي، وكذلك نستفيد أنا وكل الإخوة المسلمين وكذلك ممكن أن يكون سببا في دخول هذا الشخص للإسلام؟ وجزاكم الله عنا وعن جميع المسلمين كل خير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد للعباد وليس كتابا لذكر عجائب الدنيا، فهو منهج لتقويم الحياة والمجتمع على أساس الرابطة بينهم وبين ربهم، ثم إن الذي خلق الإنسان من عدم وصوره ونفخ فيه من روحه وخلق السماوات والأرض وما بينهما قد أحكم صنع كل شيء ودعا الناس -سبحانه- إلى التفكر في مخلوقاته، قال الله تعالى: أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {الغاشية:17-18-19}، وقال تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ {فصلت:53}، وقال تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ* وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {الذاريات:20-21}.
وحدائق بابل المعلقة أو غيرها من العجائب هي من عجائب الدنيا التي من صنع البشر ومهما عظمت فليست شيئا بالنسبة لما ذكره الله في كتابه من آياته الكونية، وأيضاً هذه العجائب ليست من موضوع القرآن وليس فيه ما يشير إليها بخصوصها.
قال الشيخ سيد قطب في الظلال: وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه وأن يستخرجوا من جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها ليعظموه بهذا ويكبروه! إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها إن كل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة تحتوي أولاً على خطأ منهجي أساسي كما أنها تنطوي على معان ثلاثة كلها لا يليق بجلال القرآن. الأولى: الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهمين والقرآن تابع.
الثانية: سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان.
الثالثة: هي التأويل المستمر مع التمحل والتكلف لنصوص القرآن. انتهى باختصار.
وعليه فإن كتاب الله شامل كامل ويصلح في كل زمان ومكان ولا يعني ذلك أنه قد حوى جميع جزئيات الكون بل إنه تضمن أصول كل الأشياء وكلياتها وترك أمر هذه الجزئيات للعقول، قال الإمام الغزالي: فتفكر في القرآن والتمس غرائبه لتصادف فيه مجامع علم الأولين والآخرين وجملة أوائله وإنما التفكر فيه للتوصل من جملته إلى تفصيله وهو البحر الذي لا شاطئ له. اتنهى من جواهر القرآن.
والله أعلم.