عنوان الفتوى : حكم التخلف عن صلاتي العيد والجمعة
ما حكم من لم يصل العيد والجمعة؟ وماذا يفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فصلاة الجمعة فرض لا يجوز التخلف عنها إلا بعذر، ومن تخلف عنها لغير عذر شرعي فهو عاص لله تعالى بتخلفه ولو مرة واحدة، وقد عرض نفسه للوعيد الوارد في حديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما المخرج في صحيح مسلم من أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين. ويتضاعف الوعيد ويشتد إذا تخلف عن ثلاث جمع فأكثر، لما رواه أصحاب السنن وأحمد من حديث أبي الجعد الضمري من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع على قلبه. وأما صلاة العيدين، فقد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال: الأول: واجبة على الأعيان، وهذا هو الصحيح عند الحنفية، قال الكاساني: والصحيح أنها واجبة، وهو قول أصحابنا.انتهى. واستدلوا على ذلك: بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها من دون تركها ولو مرة، وأنه لا يصلى التطوع بجماعة ـ ما خلا قيام رمضان وكسوف الشمس وصلاة العيدين، فإنها تؤدى بجماعة - فلو كانت سنة ولم تكن واجبة لاستثناها الشارع كما استثنى التراويح وصلاة الخسوف. الثاني: أن صلاة العيد سنة مؤكدة، وإلى هذا ذهب الشافعية والمالكية، قال الشيرازي: صلاة العيد سنة.انتهى. وقال في التاج والإكليل: صلاة العيد سنة مؤكدة.انتهى. ودليلهم على ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح للأعرابي - وكان قد ذكر له الرسول صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس - فقال له: هل علي غيرهن؟ قال: لا، إلا أن تطوع. متفق عليه. الثالث: أن صلاة العيد فرض كفاية، وإليه ذهب الحنابلة، قال ابن قدامة في المغني: وصلاة العيد فرض على الكفاية في ظاهر المذهب.انتهى. ودليلهم على ذلك: عموم قول الله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [سورة الكوثر: 2]. ولمداومة الرسول صلى الله عليه وسلم على فعلها، ولأنها من أعلام الدين الظاهرة. والراجح: هو مذهب الجمهور، وهو القول الثاني. وإذا فاتت الجمعة بعذر أو بغير عذر فإنها تقضى ظهرا لا جمعة. قال الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع: وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا وَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ سَقَطَتْ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لَا تُقْضَى، لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ, وَالْأَدَاءُ فَاتَ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ يَتَعَذَّرُ تَحْصِيلُهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَتَسْقُطُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ إذَا فَاتَتْ عَنْ أَوْقَاتِهَا. وأما من فاتته صلاة العيد مع الإمام، فقد اختلف أهل العلم هل يقضيها، أم لا؟ والراجح: أنه يسن له قضاؤها على صفتها، وقد ذكر الإمام النووي مذاهب العلماء في هذه المسألة فقال: ( فَرْعٌ ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا فَاتَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ، قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا أَبَدًا, وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ, وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد أَنَّهَا لَا تُقْضَى, وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تُقْضَى صَلَاةُ الْفِطْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي, وَالْأَضْحَى فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِهِمَا, وَإِذَا صَلَّاهَا مَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ, وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ, وَعَنْهُ رِوَايَةٌ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ, وَإِنْ شَاءَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ, وَبِهِ جَزَمَ الْخِرَقِيُّ، وَالثَّالِثَةُ: مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ, وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ, وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: رَكْعَتَيْنِ بِلَا جَهْرٍ وَلَا تَكْبِيرَاتٍ زَوَائِدَ، وَقَالَ إسْحَاقُ: إنْ صَلَّاهَا فِي الْمُصَلَّى فَكَصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَإِلَّا أَرْبَعًا.انتهى. والله أعلم.