عنوان الفتوى : حكم الموالاة في السعي والطواف وبينهما
هل يجوز للمرأة الحامل والتي تتعب بسرعة من المشي أثناء الحمل خاصة وهي في الأشهر الأخيرة من الحمل أن تستريح أثناء أدائها العمرة بين أشواط الطواف والسعي إن هي شعرت بالتعب ثم تقوم وتكمل ما بقي عليها من الأشواط، وهل يجوز لها إذا لم تستطع المشي أثناء السعي والطواف أن تركب خاصة وأنه يحدث لها مع طول فترة المشي أو الوقوف لفترة طويلة انقباضات وتقلصات في الرحم قد تؤدي إلى أن يفرغ الرحم ما به (أي الإجهاض أو الولادة المبكرة)، مع العلم بأنها لا تستطيع تأجيل العمرة لبعد الوضع لأن الظروف لا تسمح لها بذلك، ولن تتوافر لها فرصة أخرى لأدائها بعد ذلك، أفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الخوض في ذكر كلام أهل العلم وتفصيلاتهم في المسائل المطروحة في السؤال وهي:
1 – الموالاة بين أشواط الطواف
2 – الموالاة بين أشواط السعي
3 – الموالاة بين الطواف والسعي
4 – الركوب في الطواف
5 – الركوب في السعي
نذكر القول المختار الذي نرشد إليه السائل حتى لا تشوش عليه التفاصيل المذكورة في كلام الفقهاء، فنقول لا حرج على هذه المرأة في التفريق بين أشواط الطواف، وكذا لا حرج عليها في التفريق بين أشواط السعي، ولا حرج في التفريق بين الطواف والسعي ما دامت تتضرر بالموالاة، لأن الموالاة مستحبة فيما ذكر، وليست واجبة سواء كان هناك عذر أم لا عند الحنفية والشافعية، وأما عند العذر فلا تجب عند جماهير الفقهاء ولو طال الفصل وأما إذا قصر الفصل فلا حرج فيه عند الجميع كما أنه لا حرج عليها في الركوب للعذر عند الجميع.
وهذه نبذة من كلام الفقهاء في المسائل المسؤول عنها قال العلامة ابن قدامة رحمه الله في المغني وهو في صدد الحديث عن الطواف والسعي راكبا للعذر: ومن طاف وسعى محمولا لعلة، أجزأه لا نعلم بين أهل العلم خلافا في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر، فإن ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن. وعن أم سلمة قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس، وأنت راكبة. متفق عليهما، وقال جابر: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته بالبيت، وبين الصفا والمروة، ليراه الناس، وليشرف عليهم، وليسألوه، فإن الناس غشوه. انتهى.
فكان طوافه راكبا لعذر وكذا ترخيصه لأم سلمة رضي الله عنها لعذر وهو المرضّ والأخت المسؤول عنها معذرورة بثقل حملها وحصول الضرر لها بالمشي فلها أن تترخص بالركوب مثل أم سلمة رضي الله عنها
وأما الركوب لغير عذر فجائز عند الشافعية وممنوع عند الجمهور والأفضل المشي عند الجميع بل حكي إجماعا قال الامام النووي رحمه الله في المجموع: فرْعٌ : ونقل الماوردي إجماع العلماء على أن طواف الماشي أولى من طواف الراكب، فلو طاف راكباً لعذر أو غيره صح طوافه ولا دم عليه عندنا في الحالين.... والسعي عندهم في هذه المسألة كالطواف، قال الشرنبلالي الحنفي في حاشيته على درر الحكام: ويجب المشي في السعي لمن لا عذر له.
قال المرداوي الحنبلي في الانصاف: السعي راكباً كالطواف راكبا على الصحيح من المذهب.
وقال الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير للدردير: المشي في كل من الطواف والسعي واجب على القادر عليه فلا دم على عاجز طاف أو سعى راكباً، أو محمولاً وأما القادر إذا طاف، أو سعى محمولاً أو راكبا فإنه يؤمر بإعادته ماشياً ما دام بمكة ولا يجبر بالدم حينئذ كما يؤمر العاجز بإعادته إن قدر ما دام بمكة، وإن رجع لبلده فلا يؤمر بالعود لإعادته ويلزمه دم فإن رجع وأعادة ماشياً سقط الدم عنه، في الطواف الواجب وأما الطواف غير الواجب فالمشي فيه سنة وحينئذ فلا دم على تارك المشي فيه.
وأما اشتراط الموالاة بين أشواط الطواف بالبيت وبين أشواط السعي بين الصفا والمروة وبين الطواف والسعي فهذه معتمدات المذاهب فيها:
1 - ذهب الشافعية والحنفية إلى عدم اشتراط الموالاة في الجميع، قال ابن حجرالهيتمي في تحفة المحتاج: وأن يوالي عرفا.. طوافه اتباعاً وخروجاً من خلاف موجبه ودليل عدم وجوبه القياس على الوضوء بجامع أن كلا منهما عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس منها، وفي قول تجب الموالاة بين أشواطه وبعضها (والصلاة) عقب الطواف الفرض وكذا النفل عند جمع، لأنه صلى الله عليه وسلم أتى بهما وقال: خذوا عني مناسككم، وجوابه أن ذلك لا يكفي في الوجوب وإلا لوجب جميع السنن.
وقال في التحفة أيضا فيما يتعلق بمستحبات السعي: وأن يوالي بين مراته بل يكره الوقوف فيه لحديث أو غيره وبينه وبين الطواف.
وفي البحر الرائق من كتب الحنفية: السعي لا يجب بعد الطواف فوراُ بل لو أتى به بعد زمان ولو طويلاً لا شيء عليه.
وقال ابن عابدين رحمه الله وهو حنفي في رد المحتار: تنبيه: إذا خرج لغير حاجة كره ولا يبطل فقد قال في اللباب ولا مفسد للطواف وعد من مكروهاته تفريقه أي الفصل بين أشواطه تفريقاً كثيراً وكذا قال في السعي بل ذكر في منسكة الكبير لو فرق السعي تفريقاً كثيراً كأن سعى كل يوم شوطا أو أقل لم يبطل سعيه ويستحب أن يستأنف
2 - وذهب المالكية إلى اشتراط الموالاة في الجميع، قال الخرشي في مختصره عند قول خليل في شروط الطواف: (وولاء)، قال رحمه الله (ش) يعني: أن التوالي بين أشواط الطواف شرط، فإن فرقه لم يجزه إلا أن يكون التفريق يسيراً، أو يكون لعذر وهو على طهارته.
وقال عليش في منح الجليل في حديثه عن شروط السعي: ومن شروط السعي موالاته في نفسه ويغتفر التفريق اليسير كصلاته أثنائه على جنازة أو بيعه أو اشترائه شيئاً أو جلوسه مع أحد أو وقوفه معه يحدثه من غير طول فيبني، ولا ينبغي شيء من ذلك كما في المدونة فإن كثر التفريق لم يبن وابتدأه، فإن أقيمت عليه الصلاة وهو فيه فلا يقطعه، لأنه خارج عن المسجد، نقله في التوضيح عن مالك رضي الله تعالى عنه في العتبية والموازية، وأما الموالاة بينه وبين الطواف ففي الحطاب أن اتصاله بالطواف شرط، وفي شرح الرسالة سنة.
3 - وذهب الحنابلة إلى وجوب الموالاة بين أشواط الطواف نفسها وكذا بين أشواط السعي دون اشتراط الموالاة بين السعي والطواف قال البهوتي في كشاف القناع وهو في صدد الحديث عن شروط الطواف: يشترط لصحة الطواف ثلاثة عشر شيئاً.... وأن يوالي بينه.
وقال عن شروط السعي (والموالاة) قياساً على الطواف قاله القاضي، وقال عن حكم الموالاة بين الطواف والسعي: (وله) أي: للساعي تأخيره، أي: السعي (عن طوافه بطواف أو غيره فلا تجب الموالاة بينهما) أي: بين الطواف والسعي (فلا بأس أن يطوف أول النهار ويسعى آخره) أو بعد ذلك لكن تسن الموالاة بينهما.
وكل ما سبق من كلام الفقهاء إنما هو في الفصل الكثير أما الفصل اليسير فلا يضر عند الجميع سواء كان لعذر أو لغير عذرٍ وأما الفصل الكثير لعذر فقد اختلف القائلون بالاشتراط هل يضر أم لا فذهب المالكية إلى أن الفصل الكثير لعذر لا يضر قال الدردير في الشرح الكبير وهو يعدد شروط الطواف: (ولاء)أي لا يفرق بين أجزائه، وإلا ابتدأ إلا أن يكون التفريق يسيراً فلا يضر ولو لغير عذر، أو كثير لعذر وهو على طهارته) أي فلا يضر أيضاً.
وأما الحنابلة فذهبوا إلى أن الفصل الكثير يضر ولو كان لعذر قال البهوتي في كشاف القناع: (أو قطعة) أي: الطواف (بفصل طويل عرفا ولو سهواً أو لعذر) لم يجزئه لأنه صلى الله عليه وسلم: والى بين طوافه وقال: خذوا عني مناسككم. ولأنه صلاة فاعتبرت فيه الموالاة كسائر الصلوات.
والله أعلم.