عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في حكم وشروط الاعتكاف في المساجد
بدعة منع الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة هذه إحدى البدع التي طالعتنا بها بعض طوائف هذا الزمان ... حيث زعموا أن الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة ؛ الحرم ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأقصى ،بدعة ... و عطلوا بذلك شعيرة من شعائر الدين . وأفرغوا المساجد من عمارها ، وحرموا الناس من خير كبير. ومستند هؤلاء هو ما روي عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال : " لقد علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ، أو قال : في مسجد جماعة ". قال الشوكاني ( النيل 4/269 ) : أخرجه ابن أبي شيبة ، لكن لم يذكر المرفوع منه ... وهذا يدل على أنه لم يستدل على ذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ... وأيضا الشك الواقع في الحديث مما يضعف الاحتجاج...اهـ قال ابن حزم ( المحلى 5/195 ) : هذا الشك من حذيفة أو ممن دونه ، ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك .اهـ قلت : والدليل على جواز الاعتكاف في كل المساجد ، بلا استثناء ، قول الله تعالى : ( وأنتم عاكفون في المساجد ) فعمّ تعالى ولم يخصص. وقول عائشة رضي الله عنها فيما رواه البيهقي و غيره : " السنة فيمن اعتكف أن يصوم ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ". وروا ه أبو داود بلفظ : " إلا في مسجد جامع " وروى أيضا عن ابن عباس قوله : " إن أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع ، وإنّ من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور " وقد مر من حديث حذيفة أن عبد الله بن مسعود قال له حينما أنكر الاعتكاف في المساجد عامة : " لعلك نسيت وحفظوا " قال الهيثمي في ( الزوائد 3/173 ): رواه الطبراني في ( الكبير ) ورجاله رجال الصحيح .اهـ فترك الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ، إهدار للسنة واستهتار بهدي السلف ، وتخريب لبيوت الله . قال الله تعالى : ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ) الآية. ومنشأ كل هذه الأحكام القصور في الفهم ، والعجز عن إدراك فحوى النصوص ، وعدم التمكن من وسائل الفقه ... فما أقبح الجهل ، فإنه لا يزال بصاحبه حتى يزيّن له الباطل ، و يلبّسه عليه حتى لكأنه الحق الأبلج(لقد قرأت هذا الكلام لبعض الفقهاء, فهل هوصحيح؟ أرجو التعليق على هذا المقال بشيء من الإسهاب , هل للشيخ الألباني فتوى في هذا الموضوع ولكم جزيل الشكر.)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن شروط الاعتكاف أن يكون في مسجد، واتفقوا على صحته في المساجد الثلاثة، وهي المسجد الحرام بمكة، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى، وفي كل مسجد جامع، إلا ما نقل عن حذيفة بن اليمان تخصيصه بالمساجد الثلاثة، وسعيد بن المسيب بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وعطاء بمسجد مكة، ولكن قال الإمام النووي فيما نقل عن سعيد بن المسيب: (وما أظن أن هذا يصح عنه). وهي كما ترى حكايات عن أفراد، وفي صحة بعضها عنهم نظر، والمحفوظ عن الأئمة من أهل الاجتهاد خلاف ذلك، فالأخذ بذلك متعين، واختلفوا فيما عدا ذلك من المساجد، والراجح جواز ذلك، وإليك مذاهب أهل العلم في كل ما سبق مع قيودها من كتبهم المعتمدة للاطمئنان وعدم الالتفات إلى القول الذي يمنع من الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، وبيان ترجيح القول بجوازه في كل مسجد أخذا من عموم الآية الكريمة: [وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ] (البقرة: 187).
أما الحنفية فذهبوا إلى اشتراط المسجد الجامع أو المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس، وهذا بالنسبة للرجل، وأما بالنسبة للمرأة فالأفضل عندهم اعتكافها في مسجد بيتها. قال ابن الهمام في "فتح القدير": (وعن أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يجوز إلا في مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس) قيل: أراد به غير الجامع، أما الجامع فيجوز وإن لم يصل فيه الخمس، وعن أبي يوسف: أن الاعتكاف الواجب لا يجوز في غير مسجد الجماعة، والنفل يجوز، وروى الحسن عن أبي حنيفة: أن كل مسجد له إمام ومؤذن معلوم وتصلى فيه الخمس بالجماعة، وصححه بعض المشايخ، قال: لقوله عليه الصلاة والسلام: لا اعتكاف إلا في مسجد له أذان وإقامة. ومعنى هذا ما رواه في المعارضة لابن الجوزي عن حذيفة أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل مسجد له إمام ومؤذن فالاعتكاف فيه يصح. قوله: أما المرأة فتعتكف في مسجد بيتها أي الأفضل ذلك، ولو اعتكفت في الجامع أو في مسجد حيها وهو أفضل من الجامع في حقها جاز وهو مكروه، ذكر الكراهة قاضي خان، ولا يجوز أن تخرج من بيتها ولا إلى نفس البيت من مسجد بيتها إذا اعتكفت واجبا أو نفلا على رواية الحسن، ولا تعتكف إلا بإذن زوجها.
وأما المالكية فذهبوا إلى أنه يصح في أي مسجد إلا إذا كان المعتكف ممن تلزمه الجمعة وستأتي عليه جمعة وهو معتكف، فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يعتكف في مسجد تقام فيه الجمعة.
قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: (بمطلق مسجد) مباح، لا بمسجد بيت ولو لامرأة (إلا لمن فرضه الجمعة) من ذكر حر مقيم بلا عذر، وإن لم تنعقد به (و) الحال أنها (تجب به) أي فيه أي في زمن اعتكافه الذي يريده الآن ابتداء كنذر اعتكاف ثمانية أيام فأكثر، أو انتهاء كنذر أربعة أولهن السبت فمرض بعد يومين، وصح في يوم الخميس (فالجامع) هو المتعين (مما) أي في كل مكان (تصح فيه الجمعة) اختيارا بالنسبة للجامع وللمسجد على تقدير إقامة الجمعة فيه، فلا يصح برحبته وطرقه المتصلة (وإلا) بأن اعتكف من تجب عليه الجمعة غير الجامع وقد نذر أو نوى أياما تأخذه فيها الجمعة (خرج) لها وجوبا.
وذهب الشافعية في المعتمد عندهم إلى أنه يصح اعتكاف الرجل والمرأة في كل مسجد ولا يصح اعتكافهما في مسجد بيتهما، قال الإمام النووي رحمه الله: (مسائل: إحداها) لا يصح الاعتكاف من الرجل ولا من المرأة إلا في المسجد، ولا يصح في مسجد بيت المرأة ولا مسجد بيت الرجل، وهو المعتزل المهيأ للصلاة، هذا هو المذهب، وبه قطع المصنف والجمهور من العراقيين.
وحكى الخراسانيون وبعض العراقيين فيه قولين: (أصحهما) وهو الجديد هذا (والثاني) وهو القديم: يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، وقد أنكر القاضي أبو الطيب في تعليقه وجماعة هذا القول، قالوا: ولا يصح في مسجد بيتها قولا واحدا، وغلطوا من نقل فيه قولين، وحكى جماعات من الخراسانيين أنا إذا قلنا بالقديم إنه يصح اعتكافها في مسجد بيتها ففي صحة اعتكاف الرجل في مسجد بيته وجهان: (أصحهما) لا يصح، قال أصحابنا: فإذا قلنا بالجديد فكل امرأة كره خروجها إلى الجماعة كره خروجها للاعتكاف، ومن لا فلا، (الثانية) يصح الاعتكاف في كل مسجد والجامع أفضل لما ذكره المصنف، قال الشيخ أبو حامد والأصحاب: وأومأ الشافعي في القديم إلى اشتراط الجامع وهو غريب ضعيف، والصواب جوازه في كل مسجد، وذهب الحنابلة إلى أنه يصح في كل مسجد تقام فيه الجماعة إذا كان المعتكف ممن تلزمه الجماعة وستأتي عليه صلاة وهو معتكف، أما إذا كان ممن لا تلزمه الجماعة كالصبي والمرأة فيصح في أي مسجد كان.
قال المرداوي في الإنصاف: (واعلم أن المعتكف لا يخلو إما أن يأتي عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة وهو ممن تلزمه الصلاة أو لا، فإن لم يأت عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة، فهذا يصح اعتكافه في كل مسجد، سواء جمع فيه أو لا، وإن أتى عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة لم تصح إلا في مسجد يجمع فيه أي يصلى فيه الجماعة على الصحيح من المذهب في الصورتين وعليه جماهير الأصحاب، وهذا مبني على وجوب صلاة الجماعة أو شرطيتها، أما إن قلنا إنها سنة فيصح في أي مسجد كان، قاله الأصحاب، واشتراط المسجد الذي يجمع فيه من مفردات المذهب، وقال أبو الخطاب في الانتصار: لا يصح الاعتكاف من الرجل مطلقا إلا في مسجد تقام فيه الجماعة، قال المجد: وهو ظاهر رواية ابن منصور وظاهر قول الخرقي، قلت: وهو ظاهر كلام المصنف هنا إلا المرأة لها الاعتكاف في كل مسجد إلا مسجد بيتها، وهذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، ومسجد بيتها ليس مسجدا، لا حقيقة ولا حكما. اهـ.
والله أعلم.