عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في نكاح من رضعت أقل من خمس رضعات
ما حكم الزواج من ابنة خالي التي أرضعتها أمي أقل من خمس رضعات؟ وهل يحل الزواج بها أم لا؟ مع العلم أنها في نفس العمر الذي أنا فيه، وتقول لي العائلة إن كانت تحل لك فتزوجها، لكنها أختك، حيث ربطوا بها لقب أختي، وحتى لو أطلقوا عليها لقب أختي، فهل يحل الزواج بها إن لم تكمل خمس رضعات، لأنني أسأل عن الشرع، وليس عن المسميات؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحن وإن كنا نفتي أن الرضاع الذي ينشر المحرمية هو ما كان خمس رضعات في الحولين، وأن ما دونها لا يُحَرِّمُ، فإننا نقول لك: إن الأحوط، والأبرأ لذمتك أن لا تتزوج بتلك البنت، ما دام أنها رضعت من أمك، ولو أقل من خمس رضعات، لأن من أهل العلم من يرى أن الرضاع ينشر المحرمية ولو كان بأقل من خمس رضعات، وهذا قول كثير من الصحابة، والتابعين، ومذهب المالكية، والحنفية، ورواية عن الإمام أحمد.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَصَاعِدًا يُحَرِّمْنَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَهَا.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ -الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ- وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، إِلَى أَنَّ قَلِيل الرَّضَاعِ، وَكَثِيرَهُ يُحَرِّمُ، وَإِنْ كَانَ مَصَّةً وَاحِدَةً، فَالشَّرْطُ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ يَصِل اللَّبَنُ إِلَى جَوْفِ الطِّفْل مَهْمَا كَانَ قَدْرُهُ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ- وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِاسْمِ الرَّضَاعِ، فَحَيْثُ وُجِدَ وُجِدَ حُكْمُهُ، وَوَرَدَ الْحَدِيثُ مُوَافِقًا لِلآيَةِ: يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، حَيْثُ أَطْلَقَ الرَّضَاعَ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَلِحَدِيثِ كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، وَلَمْ يَسْتَفْصِل عَنْ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْقَوْل الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ مَا دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ لاَ يُؤَثِّرُ فِي التَّحْرِيمِ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- وَبِهِ قَال عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِل مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ- ثُمَّ نُسِخْنَ: بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ. اهــ.
فأنت ترى أن المسألة خلافية، ولا شك أن الأحوط لك في دينك، والأبرأ لك في عرضك، والأبعد عن قالة الناس، هو أن لا تتزوج من رضعت معك أقل من خس رضعات.
وغيرها من بنات آدم كثير، لا سيما وأنها من أقاربك ــ ابنة خالك على ما ذكرت ــ وقد استحب بعض الفقهاء الزواج بغير القريبات، لأنه ربما حصل طلاق فيترتب عليه قطيعة الأرحام، كما قال في الروض المربع في بيان من يستحب نكاحها: -أجنبية- لأن ولدها يكون أنجب، ولأنه لا يأمن الطلاق، فيفضي مع القرابة إلى قطيعة الرحم. اهــ.
والله أعلم.