عنوان الفتوى : ينبغي نُصح أهل المعاصي، والدعاء لهم لا عليهم
وجدت شخصا يفجر بالكلام، والإباحية في أحد المواقع؛ فدعوت عليه، فقام بالرد بالدعاء علي أيضا.
فهل تجاب دعوته؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه ما كان ينبغي لك الدعاء على هذا الشخص، وإنما ينبغي الدعاء له، ونصحه، وتذكيره، وتعليمه. وقد اختلف في جواز الدعاء على أهل المعاصي، كما قال القاضي عياض في إكمال المعلم: اختلف في الدعاء على أهل المعاصي، فأجازه بعضهم، وأباه آخرون، وقالوا: يدعى لهم بالتوبة، لا عليهم، إلا أن يكونوا منتهكين لحرمة الدين، وأهله.
وقيل: إنما يجب الدعاء على أهل الانتهاك في حين فعلهم ذلك، وإقبالهم، وأما في إدبارهم، فيدعى لهم بالتوبة. اهـ.
والراجح عدم الدعاء عليهم؛ لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الدعاء على الرجل الذي شرب الخمر. كما في حديث البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتي النبي -صلى الله عليه وسلم- برجل قد شرب، قال: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله. قال: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان.
وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب: أن رجلا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جلده في الشراب، فأتي به يوما، فأمر به، فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله.
ومما يدل للدعاء لهم ما في صحيح مسلم، وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام، وهي مشركة، فدعوتها يوما، فأسمعتني في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أكره، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا أبكي، قلت يا رسول الله: إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام، فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم، فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اللهم اهد أم أبي هريرة، فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمعَتْ أمي خشف قدمَيَّ، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعْتُ خضخضة الماء، قال: فاغتسلَتْ، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وأما عن استجابة دعائه عليك، فليس عندنا ما يجزم به في شأنها، ولكنه يخشى من استجابة دعاء من كان مظلوما؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب -عز وجل-: وعزتي لأنصرنك، ولو بعد حين. أخرجه الترمذي، وابن حبان في صحيحه.
قال الإمام القرطبي أيضاً: وخرج الآجري من حديث أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: فإني لا أردها، ولو كانت من فم كافر. فيجيب المظلوم لموضع إخلاصه بضرورته بمقتضى كرمه، وإجابة لإخلاصه، وإن كان كافراً، وكذلك إن كان فاجراً في دينه، ففجور الفاجر، وكفر الكافر لا يعود منه نقص، ولا وهن على ملكة سيده، فلا يمنعه ما قضى للمضطر من إجابته. انتهى.
والله أعلم.