عنوان الفتوى : هل تسقط قوامة الرجل إذا لم ينفق على زوجته؟
زوجي يعمل عملا بسيطا، ودخله قليل، ولا ينفق علي البيت إلا دفع إيجار الشقة، وليس كل شهر أيضا، وهو متعلم، وعنده مهارات، لكن تفكيره محدود، ولا يقبل النصيحة. فهل نفقتي عليه وعلى بناتنا تعتبر صدقه عليهم؟ وهل من حقه منعي من الخروج للعمل، وطلب أن أستأذنه في الخروج في كل مرة، لأن عملي هو التحفيظ المنزلي للقرآن، وليس له موعد محدد؟ إلي جانب أنني لست أراه قواما علي؛ لأنه لا ينفق، ولا يملك رجاحة العقل، ولكنه عصبي، ومتسرع، ومتوتر دائما، ويطالب بحقوقه، ولا يؤدي حقي عليه.
الحمد لله.
أولا :
أما إنفاقك على زوجك وبناتك فهي صدقة ، وقد سألت زوجة عبد الله بن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك .
روى البخاري (1462)، ومسلم (1000) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أمر النساء بالصدقة ، فجاءت زينب امرأة عبد الله ابن مسعود وقَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ ، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ .
والحديث بعمومه يشمل الزكاة ، وصدقة التطوع.
وينظر جواب السؤال رقم: (43207).
ثانيا :
إذا كان الزوج فقيرا لا يقوم بالنفقة على زوجته ، فلا يجوز لها – مع ذلك - أن تخرج من البيت للعمل بدون إذنه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"فإن قال قائل: ما تقولون في التدريس ؟ [يعني : هل يجوز للزوج أن يمنع زوجته منه أم لا؟]
فالجواب: نعم ، له أن يمنعها ؛ لأنها سوف تذهب إلى المدرسة وتدرِّس، فله منعها من أن تدرِّس، إلا إذا شرطت عليه في العقد أن تبقى مدرِّسة، أو تتوظف مدرِّسة في المستقبل، وقَبِلَ بهذا الشرط، فإنه يلزمه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) .
فإن قال قائل: إذا كانت لم تشترط هذا، لكن اضطرت إلى أن تكون مدرِّسة؛ لأن زوجها فقير ولا ينفق عليها؟
فالجواب: ليس لها ذلك، لكن لها أن تخيره، فتقول: إما أن تأذن لي أن أدرِّس وأحصل على قُوتي، وإما أن أطالبك بالفسخ؛ لأنها لا يمكن أن تبقى بدون قوت، وفي ظني أنها إذا خيرته بين هذا وهذا، فإنه سيوافق على التدريس" انتهى.
وعلى ذلك؛ فليس للمرأة أن تخرج من بيت زوجها، من غير إذنه، بكل حال، حتى ولو كان فقيرا لا ينفق عليها، فلها أن تطالبه بنفقتها ونفقة عيالها، أو يأذن لها بالخروج من بيتها لتعمل ما يلائمها، وتكفي نفسها وعيالها، إن قدرت على ذلك، وقبل زوجها. أو تطلب الفسخ، إن لم تصبر على حاله. وأما أن تكون في عصمته، وتخرج من بيته من غير إذنه؛ فلا يجوز لها ذلك بحال.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (19/107):
" الأصل أن النساء مأمورات بلزوم البيت ، منهيات عن الخروج ... فلا يجوز لها الخروج إلا بإذنه – يعني الزوج - .
قال ابن حجر الهيتمي : وإذا اضطرت امرأة للخروج ، لزيارة والد : خرجت بإذن زوجها ، غير متبرجة .
ونقل ابن حجر العسقلاني عن النووي عند التعليق على حديث : ( إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن ) ، أنه قال : استدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه ، لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن " انتهى النقل عن الموسوعة باختصار.
ثالثا :
قولك عن زوجك : إنه ليس له قوامة عليك : غير صحيح ، فالقوامة أثبتها الله تعالى للرجال على أزواجهن ، قال الله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) النساء/34.
نعم ، من أسباب قوامة الرجل على المرأة أنه ينفق عليها ، ولكنه ليس هو السبب الوحيد ، بحيث إذا لم ينفق ، صار زوجا، لا قوامة له على زوجته!! فهذا غلط؛ بل الآية نفسها تدل على أن هناك أسباب أخرى .
قال السعدي رحمه الله :
"ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء فقال: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ أي: بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات، كالجهاد والأعياد والجمع. وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء" انتهى .
والزوج إذا كان فقيرا ، فإنه لا يكلف إلا قدر استطاعته ، قال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً الطلاق/7 .
فإذا رضيت الزوجة بالبقاء معه، مع عدم إنفاقه ، فهذا لا يسقط قوامته عليها ، وإن لم ترض هي بالبقاء معه على عسرته؛ فلها طلب الطلاق أو الفسخ بسبب عدم إنفاقه عليها .
وينظر جواب السؤال رقم: (257661)
رابعا :
ننبه أن العلاقة بين الزوجين يجب أن تقوم على الإمساك بالمعروف، أو المفارقة بالإحسان، كما قال الله تعالى: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ البقرة/229.
وقال: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ الطلاق/2.
وليس من المعروف أن تكون المرأة في بيت زوجها، وليس له كلمة ولا قوامة عليها ، من أجل أنه فقير ، فإما أن تفارقه بمعروف ، أو تبقى معه بمعروف، وتؤدي حقه الواجب عليها ، وهو كذلك مطالب بأداء حقوقها الواجبة عليه .
والله أعلم .