عنوان الفتوى : أرثوذكسي يريد أن يسلم ولا يدري من أين يبدأ
منذ بعض الوقت أدركت أنني لا أؤمن بالله، وأن الأرثوذكسية غير موجودة كدين بالنسبة لي، ولكن بعد ذلك بدأت أنظر عن كثب إلى الديانات والطوائف الأخرى، مثل: البابية، والبوذية، والإسلام، أود أن يغمرني شخص ما في الإسلام؛ لأنني لا أعرف من أين أبدأ قبل قبول الإسلام، هل يمكنني كمسيحي أرثوذكسي أن آتي إلى المسجد، وأتحدث مع الإمام بعد انتهاء الصلاة؟ أخشى أن ينظر إلي أقاربي بارتياب؛ لأن والدي انتقد الإسلام وهو ملحد، وأقارب والدي هم من الأرثوذكس الكوريين، لكنهم يحترمون العادات البوذية، سيكون من المحرج بالنسبة لي أن أشرح أنني سأنتقل إلى كوريا الجنوبية وفي نفس الوقت اعتنقت الإسلام؟
الحمد لله.
أولا :
نحمد الله تعالى أن وفقك للإقبال على الإسلام ، وأن يتم عليك نعمته، بقبوله، وانشراح صدرك له، والدخول فيه؛ وهذه نعمة عظيمة من الله تعالى على العبد ، بل هي أعظم نعمه ، إذ يترتب عليها سعادة الدنيا والآخرة .
فنسأل الله تعالى أن يهديك إلى صراطه المستقيم، وأن يزيدك هدى وثباتا ، وأن يتم نعمته عليك.
ونحن نرحب بك ضيفا كريما في جميع مساجدنا ، في أي مكان في العالم ، واجلس مع الإمام ، وأسأله عما تريد السؤال عنه ، واسمع منه ، وسترى من الحفاوة والإكرام ما لم تكن تظن ، لأننا – نحن المسلمين – نحب الخير والهداية لكل الناس ، ونحب لجميع الناس أن يؤمنوا بالله الإيمان الصحيح حتى يفوزوا بمرضاة الله تعالى ، ويكافئهم الله بالجنة في الدار الآخرة .
ثانياً :
يتلخص الإسلام في كلمات قليلة : "هو طاعة الله تعالى وعبادته وحده لا شريك له" .
فالله تعالى هو المنفرد بالخلق والرزق والتدبير .
والله تعالى هو الذي يجب أن يفرده العباد بالعبادة ، فلا يعبد إلا الله ، فلا يعبد نبي ولا ملَك ولا جن ولا إنس ولا حجر ولا شجر ولا شيء .
فكما انفرد الله بالخلق والتدبير؛ يجب أن يفرد بالعبادة .
وإذا أردت منا آية قولا مختصرا، يجمل لك الإسلام كله، فهو قول رب العالمين في كتابه الكريم:
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ الأنعام/162-163
وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ رواه البخاري (8)، ومسلم (16).
وفي رواية لمسلم: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةٍ: عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللهُ .. ؛ وقوله : أن يوحد الله ؛ معناه : أن يشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله.
وفي رواية أخرى، لمسلم أيضا: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ ، و"توحيد الله" هو – أيضا – أن نعبده وحده لا شريك له. ويسلتزم ذلك أن نكفر بكل إله يعبد من دون الله؛ وإلا، لم نكن موحدين!!
ثالثا:
العباد لا يمكنهم معرفة الشريعة والأحكام التي يريد الله منهم أن يعبدوه بها، لأنهم لا يتلقون من الله مباشرة ، ولذلك اختار الله صفوة البشر ، وهم الأنبياء والرسل، وجعلهم وسطاء بينه وبين خلقه في تبليغ شرائعه وأحكامه .
بدأ الأنبياء بأبي البشر آدم عليه السلام ، واختتمهم الله بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وجاء بين ذلك عدد كبير من الأنبياء ، كنوح وإبراهيم وموسى عيسى وغيرهم ... عليهم صلوات الله وسلامه .
كلهم كانوا بشرا ، ما جاءوا إلا لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده ، لم يقل واحد منهم عن نفسه : إنه إله ، أو ابن الإله ، فإن هذا القول شرك بالله ، وهو ينافي ما بعثهم الله من أجله .
قال الله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ آل عمران /79- 80.
وإذا كان توحيد الله جل جلاله، وعبادته وحده لا شريك له، هو عنوان دعوة الأنبياء جميعا؛ فقد بين الله الله تعالى لعباده ذلك في كتابهم، ولفت أنظارهم إلى أدلة صدقه، فيما يشاهدون من الكون حولهم. وهذه أيضا آيات كريمات جليلات القدر، من كتاب الله، تلفت أنظار الناس إلى ما يرون في كونهم، وتذكرهم بأن الله تعالى هو المنعم وحده بهذه النعم، الخالق لها وحده؛ فكذلك ينبغي أن يؤمنوا أنه "الإله" لهذا الكون، وحده. قال تعالى:
قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ *عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ المؤمنون/84-92.
وهذه آيات أخرى، بديعة من كتاب رب العالمين، تذكر أن عبادة الله وحده لا شريك له: هي مضمون رسالة الأنبياء جميعا، ثم تذكر بعد ذلك ضلال مشركي العرب، أو غيرهم، الذين جعلوا لله شريكا في ألوهيته، الملائكة، أو الرسل، أو من عداهم من المخلوقين، وأبطلت عليهم ذلك، وذكرت لهم: أن الملائكة عباد مكرمون، طائعون، مستسلمون لرب العالمين. وأن الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه: جميعهم بشر، مخلوقون، ويموتون؛ فليس فيهم من الألوهية شيء. قال تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ * وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ * وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ الأنبياء/25-35
وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (12628).
رابعا:
وأما قول النصارى، الأرثوذكس، أو غيرهم: إن عيسى ابن الله ، أو إن عيسى إله ؛ فهي فرية من أعظم الفرى على الله. قال الله تعالى في كتابه الكريم:
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا مريم/88-95
وهو قول باطل في العقل، كما هو باطل بخبر الله عز وجل عن واحدانيته ؛ كيف يكون ابنا لله، ولم يكن له زوجة ، وحاشا لله أن يكون لى ذلك.
قال الله تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الأنعام/101
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (382330).
ثم كيف يكون إلها، أو ابنا للإله، وقد كان هو وأمه: يأكلان الطعام، كما يأكل الناس، ويحتاجان إليه، ثم يكون من أمرهما ما يكون من أمر الناس؟! قال الله تعالى :
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ المائدة/75.
وانظر إلى قوله تعالى: كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ، فإن هذه الكلمات تنفي ألوهية المسيح وأمه .
وبيان هذا:
أن الذي يأكل الطعام فقير محتاج إلى هذا الطعام ، لو لم يأكل لتألم من الجوع ، وإذا اشتد به الجوع فمن الممكن أن يموت .
فهل يعقل أن يكون الإله محتاجا إلى الأكل ، وأنه إذا لم يأكل يتألم أو يموت .
ثم ... في الآية الكريمة معنى آخر، وهو أن من كان يأكل الطعام ، فإنه سيحمل النجاسة وفضلات الطعام في بطنه ، ويحتاج إلى الذهاب إلى الحمام لإفراغها ، فهل يعقل أن الإله الذي هو "قدوس" أي: منزه عن كل عيب ونقص ، يحمل النجاسة ، ويحتاج إلى الذهاب إلى الحمام!
وأيضا : إن النصارى يعتقدون أن المسيح نزل وتمكن منه أعداؤه وضربوه وبصقوا في وجهه وعذبوه وصلبوه وقتلوه ، فهل يقبل العقل أن يكون الإله عاجزا أمام أعدائه ويتمكنون منه هذا التمكن ؟
وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (82361)، ورقم: (224199).
إننا لن نستطيع مناقشة كل ما يتعلق بالإسلام والنصرانية في هذا الجواب المختصر – يمكن مراجعة ما هو متاح في موقعنا حول تلك الموضوعات - ولكن حسبنا أننا فتحنا لك الطريق ، فعليك بالذهاب إلى أقرب مسجد أو مركز إسلامي من بيتك ، وستجد عندهم أجوبة أسئلتك كلها إن شاء الله .
واعلم أن الدخول في الإسلام ليس أمرا عسيرا ، فلا تحتاج إلا أن تقول : أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله ، وبهذا تكون قد طهرت من كل ذنوبك السابقة ، وصارت صحيفة أعمالك بيضاء لا سيئة فيها ، وكأنك ولدت اليوم .
قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ الأنفال/38.
وقال النبي صلى الله عليه : (الإِسْلام يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) .
أَيْ : يُسْقِطهُ وَيَمْحُو أَثَره.
فبادر إلى الإسلام، فإن العمر ينتهي فجأة، ولا أحد يدري متى يفجأه الموت.
خامساً:
أما خوفك من أقاربك ، فلا يلزمك أن تعلن لهم إسلامك ، بل يمكنك أن تخفي إسلامك عنهم ، فقد كان صحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم في مكة يخفون إسلامهم عن مشركي مكة خوفا من أذاهم وتعذيبهم .
حتى إذا رأيت الفرصة سانحة بعد ذلك لإعلان إسلامك أعلنته ودعوت أهلك إلى الإسلام، لتسعى في إنقاذهم من نار جهنم.
وهذا أعظم إحسان تقدمه إليهم، نسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق والثبات.
وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (436035)، ورقم: (324751).
والله أعلم.