عنوان الفتوى : رفض أبوها الخاطب لعدم كفاءته، فوكلت ابنها ليعقد لها؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ابنتي مطلقة، وتقدم لها شخص فرفضته لعدم الكفاءة، فطلب منها الزواج في السر، فوكلت ابنها 17 سنة المهاجر مع طليقها في إستراليا، فوكل ابنها شخصا لا يعرفه ـ من طرف العريس ـ لكى يزوج أمه، واتضح لنا أن الوكيل والشهود يقيمون خارج مصر في السعودية، ولا نعرفهم، ولا ابنتى تعرفهم، وقال لها هذا الشخص: إنه تم الزواج، ويريد منها أن تسلم نفسها له ، فهل هذا الزواج باطل؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

أولا :

لا يصح نكاح المرأة ، بكرا كان أم ثيبا ، صغيرة أم كبيرة إلا إذا عقده وليها ، أو وكيله ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه أبو داود (2085)، والترمذي (1101)، وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) رواه أحمد (24417)، وأبو داود (2083)، والترمذي (1102)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم: (2709).

ومن حق الولي أن يرفض الخاطب المتقدم إذا كان غير كفء للمرأة .

ولهذا جعل الله تعالى أمر النكاح للولي ، حتى ينظر لمصلحة المرأة ، لأنه أعلم بذلك منها ، أما المرأة فقد تغلبها عاطفتها وتخدع .

قال ابن قدامة رحمه الله : " ... فإن رغبت في كفء بعينه ، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها ، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته ، كان عاضلاً لها .

فأما إن طلبت التزويج بغير كفئها : فله منعها من ذلك ، ولا يكون عاضلاً لها " انتهى من " المغني" (9/383) .

ثم يتأكد حقه، بل يتعين ذلك واجبا عليه : إذا كان هذا الخاطب إنما يريد "نكاح سر" ، ولا يريد إعلانه بين الناس؛ فهذا من أظهر أمارات الريبة في أمر النكاح!! ولأجل ذلك شرع إشهاد "العدول" المؤتمين على النكاح، وشرع أيضا إعلان أمره، وإشاعته بين الناس.

ثانيا :

إذا اجتمع الأب والابن للمرأة فوليها في النكاح هو الأب ، وليس الابن .

قال ابن قدامة رحمه الله :

"وَأَحَقُّ النَّاسِ بِنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَبُوهَا ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْعَنْبَرِيُّ ، وَأَبُو يُوسُفَ ، وَإِسْحَاقُ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ : الِابْنُ أَوْلَى ...

ولنا : أَنَّ الْأَبَ أَكْمَلُ نَظَرًا ، وَأَشَدُّ شَفَقَةً ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ فِي الْوِلَايَةِ ...

وَلِأَنَّ الْأَبَ يَلِي وَلَدَهُ فِي صِغَرِهِ وَسَفَهِهِ وَجُنُونِهِ ، فَيَلِيهِ فِي سَائِرِ مَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ فِيهِ ...

وَلِأَنَّ الْوِلَايَةَ احْتِكَامٌ ، وَاحْتِكَامُ الْأَصْلِ عَلَى فَرْعِهِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ" انتهى من "المغني" (9/355) .

ثالثا :

لا يحق للمرأة أن توكل ابنها في نكاحها، لأن شرط الوكالة أن يكون الموكل يملك الفعل الذي وكل فيه، والمرأة لا تملك أن تعقد النكاح لنفسها، بكرا كانت أم ثيبا، فلا تملك أن توكل فيه.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"من ليس له التصرف في شيء فليس له أن يوكل فيه، فلو أن صبيّاً لم يبلغ قال لشخص: وكلتك في بيع بيتي فلا يصح؛ لأنه هو نفسه لا يصح له التصرف فيه فلا يصح أن يوكل" انتهى من "الشرح الممتع" (9/326).

رابعا :

لا يجوز نكاح الثيب حتى تصرح برأيها بالموافقة ، بخلاف البكر التي يكتفى في حقها بالسكوت.

فعن أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لاَ تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلاَ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ) رواه البخاري (6968)، ومسلم (1419).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

"فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ... فَذَكَرَ فِي هَذِهِ لَفْظَ " الْإِذْنِ " ، وَفِي هَذِهِ لَفَظَ " الْأَمْرِ " ، وَجَعَلَ إذْنَ هَذِهِ الصُّمَاتَ؛ كَمَا أَنَّ إذَنْ تِلْكَ النُّطْقُ" انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/24) .

خامسا :

بعد تأمل ما ورد في السؤال يظهر أن الأمر برمته ما هو إلا نوع من التلاعب بهذا العقد الهام الذي سماه الله "ميثاقا غليظا" ، ولا يمكن أن يقال بتصحيح مثل هذا التلاعب المذكور، بحال من الأحوال.

فالمرأة وكلت ابنها ، وليس ذلك من حقها ، والابن لا ولاية له مع وجود أبي المرأة ، ثم إن الابن وكل من لا يعلمه ، وهو بالطبع ليس له ذلك ، لأنه لا ولاية له ، ووكالة الأم له غير صحيحة ، والوكيل والشهود ، لا يعلمون المرأة ، ولا سمعوا منها أنها موافقة ، فكيف يكون هذا النكاح صحيحًا ؟ ويطالب من يدعي أنه "زوج" يطالب المرأة بتسليم نفسها ، والدخول بها ؟

بل الولي رافض له ، وله الحق في ذلك ، ما دام الخاطب غير كفء ؛ ثم إنه مع ذلك يطلب "نكاح سر"؟!

بل لو قلنا بقول أبي حنيفة : أن لهذه المرأة أن تنكح نفسها ، ثم لم تفعل ، بل وكلت ابنها بأن يزوجها : فجمهور أهل العلم يقولون : إن هذا الابن ليس من حقه أن يوكل غيره ، بل إما أن يتولى الوكيل العقد بنفسه ، وإلا؛ فليس له أن يوكل غيره . وهذا في عامة العقود.

وينظر "الموسوعة الفقهية" (45/82).

فكيف في عقد النكاح الذي لا يتولاه إلا الأولياء الشرعيون ، الذين نصبهم الشرع ، وعينهم ، ولم يفوض أمر اختيارهم إلى الناس ؟!

فمثل هذا النكاح : فاسد ، لا يصح.

فإن أمكن إقناع الزوج بأن يطلق ، مراعاة لقول من قال من العلماء : إن النكاح الفاسد يتم التفريق فيه بين الزوجين بالطلاق فهو أفضل .

فإن لم يمكن ، فلا حرج من الأخذ هنا بقول الشافعي رحمه الله ، الذي يقول بأن النكاح الفاسد (ومنه النكاح بلا ولي) لا يحتاج إلى طلاق .

قال أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (2/427) فيمن تزوج امرأة بلا ولي :

"وإن طلقها لم يقع الطلاق ... لأنه طلاق في غير ملكه ، فلم يصح كما لو طلق أجنبية" انتهى.

وإذا أراد أن يتزوجها فليكن ذلك بموافقتها ،  ويعقد وليها النكاح .

والحاصل:

أن هذا النكاح فاسد، ولا يملك هذا الرجل أن يطالب المرأة بتسليم نفسها إليه.

فإن أمكن إقناعه بأن يطلقها، بلفظه ، ثم ينظرون في أمره بعد ذلك: فهو أحسن، وأحوط.

وإن لم يمكن؛ فلا عليكم ألا تبالوا به، وليس للمرأة ولا لوليها أن يسلمها إليه بمجرد هذا الكلام.

والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...