عنوان الفتوى : ما حكم الإقسام على الله تعالى؟
أنا طالب في السنة الأخيرة، وقد حلفت أني سأحصل على معدل 100 هذا العام، وكان هذه من شدة ظني خيرا بالله عز وجل جلاله، فهل هذا الفعل جائز؟
الحمد لله.
الإقسام على الله تعالى: أن يقول الإنسان مخاطبا ربه: أقسمت عليك يا الله أن تفعل كذا، أو أن يقول عن أمر مستقبل: والله لا يحصل كذا، أو ليحصلنّ كذا، فالإقسام يشمل الدعاء، ويشمل الخبر عن مستقبل أنه يقع أو لا يقع.
وقد جاء فيه: ما روى البخاري (2703)، ومسلم (1675) عن أَنَسٍ، أَنَّ الرُّبَيِّعَ وَهِيَ ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ، وَطَلَبُوا العَفْوَ، فَأَبَوْا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمْ بِالقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ: يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ، فَرَضِيَ القَوْمُ وَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ زَادَ الفَزَارِيُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَرَضِيَ القَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ.
وروى مسلم (2622) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ.
والإقسام على الله تعالى يجوز إذا كان الحامل عليه قوة الإيمان والثقة بالله، لا الغرور ولا العجب بالنفس، والأولى تركه؛ لأنه قد لا يسلم من شيء من رؤية النفس.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح قول سليمان عليه السلام: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلٌّ تَلِدُ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رواه البخاري (6720)، ومسلم (1654) :
"واختلف في الذي حلف عليه، هل هو جميع ما ذُكر، أو دورانه على النساء فقط دون ما بعده من الحمل والوضع وغيرهما؟ والثاني أوجه؛ لأنه الذي يقدر عليه، بخلاف ما بعده، فإنه ليس إليه، وإنما هو مجرد تمني حصول ما يستلزم جلب الخير له، وإلا فلو كان حلف على جميع ذلك لم يكن إلا بوحي، ولو كان بوحي لم يتخلف، ولو كان بغير وحي لزم أنه حلف على غير مقدور له، وذلك لا يليق بجنابه.
قلت [أي: الحافظ ابن حجر] : وما المانع من جواز ذلك، ويكونُ [يعني: حلفه] لشدة وثوقه بحصول مقصوده، وجزم بذلك، وأكد بالحلف، فقد ثبت في الحديث الصحيح: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)" انتهى من "فتح الباري" (11/ 606).
وقال النووي رحمه الله في شرح حديث أبي هريرة: " (لو أقسم على الله لأبره) أي لو حلف على وقوع شيء، أوقعه الله إكراما له، بإجابة سؤاله، وصيانته من الحنث في يمينه، وهذا لعظم منزلته عند الله تعالى، وإن كان حقيرا عند الناس.
وقيل: معنى القسم هنا: الدعاء، وإبرارُه: إجابته" انتهى من "شرح مسلم" (16/ 175).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "هل يجوز للإنسان أن يقسم على الله؟
فأجاب: الإقسام على الله أن يقول الإنسان: والله لا يكون كذا وكذا، أو والله لا يفعل الله كذا وكذا. والإقسام على الله نوعان:
أحدهما: أن يكون الحامل عليه قوة ثقة المقسم بالله -عز وجل-، وقوة إيمانه به، مع اعترافه بضعفه وعدم إلزامه الله بشيء: فهذا جائز.
ودليله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ، ودليل آخر واقعي، وهو حديث أنس بن النضر حينما كسرت أخته الربيّع سنا لجارية من الأنصار، فطالب أهلها بالقصاص، فطلبوا إليهم العفو فأبوا، فعرضوا الأرش فأبوا، فأتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع؟ لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أنس، كتاب الله القصاص"!! فرضي القوم، فعفوا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ، وهو -رضي الله عنه-لم يقسم اعتراضا على الحكم، وإباء لتنفيذه، فجعل الله الرحمة في قلوب أولياء المرأة التي كُسِرتْ سنُّها، فعفوا عفوا مطلقا، عند ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره. فهذا النوع من الإقسام: لا بأس به.
النوع الثاني: من الإقسام على الله: ما كان الحامل عليه الغرور والإعجاب بالنفس، وأنه يستحق على الله كذا وكذا، فهذا والعياذ بالله محرم، وقد يكون محبِطا للعمل، ودليل ذلك أن رجلا كان عابدا، وكان يمر بشخص عاص لله، وكلما مر به نهاه فلم ينته، فقال ذات يوم: والله لا يغفر الله لفلان -نسأل الله العافية- ؛ فهذا تحجر رحمة الله لأنه مغرور بنفسه، فقال الله -عز وجل-: من ذا الذي يتألى علي ألّا أغفر لفلان؟! قد غفرت له، وأحبطت عملك" [رواه مسلم 2621]. قال أبو هريرة: "تكلم بكلمة، أوبقت دنياه وآخرته .
ومن هذا نأخذ: أن مِنْ أضرِّ ما يكون على الإنسان اللسان..." انتهى من "مجموع فتاوى" ابن عثيمين (3/ 78).
وسئل الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله: " ما حكم قول: أُقْسِم عليك يا الله بأن تُيَسِّر لي هذا الأمر؛ وذلك لقوة الرجاء، وحسن الظن بالله بأن يستجيب هذا الدعاء؟
فأجاب: جاء في الحديث: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره [البخاري: 2703]، لكن هذا النوع من عباد الله ممن عُرِف بالصلاح، واشتهر به ولزم التقوى وترك المخالفات، ولم يفرِّط في شيء من الواجبات، ولا يُشترط في ذلك أن يكون معصومًا، لكن ديدنه تقوى الله -جل وعلا-، فإذا وصل إلى هذه المرتبة، ووقع في ضائقة، أو احتاج إلى مثل هذا؛ فلا مانع من أن يقول ذلك، ويكون من النوع الذي لو أقسم على الله لأبره، إذا سلم من شائبة تزكية النفس؛ لأنه قد يُشم من مثل هذا الكلام أنه يزكي نفسه، وأنه وصل إلى هذه المرحلة، لكن إذا وقع في ضائقة، وضاقت به السبل، وقال ذلك مع حسن ظنه بالله -جل وعلا- وقوة رجائه له -كما في السؤال- فإن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره.
لكن الذي يظهر -والله أعلم- أنه لا يَسلم من شائبة التزكية، فلا يحرص الإنسان عليها، إلا إذا اضطر إليها" انتهى من موقع الشيخ.
والحاصل:
أنه يجوز الإقسام على الله، ثقة به، وإحسانَ ظنٍّ، مع الاعتراف بضعف الإنسان وعجزه، وتبرئه من العجب ورؤية النفس، والأولى ترك ذلك.
وحيث إنك قلت ذلك من قوة إحسانك الظن بالله تعالى، فلا حرج عليك، ونرجو أن يحقق الله مرادك.
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |