عنوان الفتوى : مشروعية الحرص على الإمامة للمتأهل لها

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

عُرِضَتْ عليَّ الإمامة في أحد المساجد، وأحكام التلاوة عندي جيدة، ولكنني لا أحفظ الكثير من القرآن، وبالفعل بدأت في الحفظ، وعزمتُ على زيادة علمي في أحكام الصلاة والإمامة، وأقلعتُ عن ذنب ما، بسبب هذه الإمامة، ولكن أحد الإخوه قال لي إن عليَّ أن أمتنع عنها، وأن أُقَدِّم من هو أفضل مني مخافة المسؤولية، والعجب والرياء، ولكني اعترضت؛ لأنه لو كان الأمر هكذا، ما كان أحد ليتقدم للإمامة، وأنا الآن خائف من الرياء، وخائف من أن أُضَيِّع على نفسي هذا الفضل، والتقدم الذي وجدته في نفسي جراء هذه الإمامة من حفظ واهتمام بالعلم. فماذا أفعل؟
أفتونا أثابكم الله.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فننصحك بأن تكون إمامًا للناس في المسجد، وأن تجاهد نفسك في البعد عما تخشاه من العجب، والرياء، وذلك لأن الإمامة وإن كانت من الأمور الخطيرة إلا أنها إذا قام بها الشخص حق القيام كان ثوابها عظيمًا، إذ يترتب عليها حصول فضل الجماعة للشخص وللمأمومين، ولأن فعلها أفضل من تركها، بل قد تصير فرض عين على الشخص إذا لم يوجد من يصلح لها غيره.

وقد أشار إلى ذلك العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام، حيث قال: ومنهم من فضل الإمامة لتسبب فضل الإمامة إلى إفادة فضل الجماعة لنفسه وللحاضرين، وصلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد بخمس وعشرين درجة، أو سبع وعشرين درجة، على ما جاءت به السنة، ولا يوجد مثل هذا في الأذان، فإن قيل: هل يؤجر المؤتم على إفادته الإمام فضل الجماعة؟ قلنا: نعم، لقوله عليه السلام: من يتصدق على هذا؟ اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة: قال الإمام أحمد الأذان أحب إليَّ من الإمامة، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه، والمؤذن يغفر له مد صوته... وروي عنه أن الإمامة أفضل، وهذا اختيار أبي عبد الله بن حامد، وأبي الفرج بن الجوزي، لأن الإمامة تولاها -صلى الله عليه وسلم- هو بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، ووكلوا الأذان إلى غيرهم، وكذلك ما زال يتولاها أفاضل المسلمين علما وعملا، ولأن الإمامة يعتبر لها من صفات الكمال أكثر مما يعتبر للأذان، ولأن الإمامة واجبة في كل جماعة، والأذان إنما يجب مرة في المصر، وقد روي عن داود بن أبي هند قال، حدثت أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: مُرْني بعمل أعمله، قال: كن إمام قومك، قال فإن لم أقدر، قال: فكن مؤذنهم. رواه سعيد. إلى أن قال شيخ الإسلام: وأما إمامته -صلى الله عليه وسلم- وإمامة الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- فمثل الإمارة والقضاء، وذلك أن الولايات وإن كانت خطرة، لكن إذا أقيم فيها أمر الله لم يعدلها شيء من الأعمال، وإنما يهاب الدخول فيها أوَّلًا خشية أن لا يقام أمر الله فيها، لكثرة نوائبها، وخشية أن يفتن القلب بالولاية، لما فيها من العز والشرف، وقد روى عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ثلاثة من كثبان المسك يوم القيامة: عبد أدَّى حق الله، وحق مواليه، ورجل أمَّ قوما وهم به راضون، ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. انتهى. اهـ

وجاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية -2/ 305- أنه سئل: عن الإمامة هل فعلها أفضل أم تركها؟ فأجاب: بل يصلي بهم، وله أجر بذلك، كما جاء في الحديث: ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة: رجل أم قوما وهم له راضون ... الحديث، والله أعلم. اهـ.

ويدل لمشروعية الحرص عليها إن لم يكن الدافع لذلك حب الرياسة ما ثبت من إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- من طلبها، كما في الحديث عن عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله اجعلنى إمام قومي، فقال: أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا. رواه أحمد، وصححه الألباني.

و جاء في شرح مختصر خليل للخرشي -2/ 46: إذا اجتمع جماعة، واستووا في مراتب الإمامة، وتنازعوا فيمن يقدم منهم؛ أقرع بينهم إن كان مطلوبهم حيازة فضل الإمامة، لا لطلب الرياسة الدنيوية، وإلا سقط حقهم من الإمامة؛ لأنهم حينئذ فساق. اهـ.

والله أعلم.