عنوان الفتوى : دعت على شخص كاد يصدمها بسيارته، فهل عليها إثم؟
كاد أحد الأشخاص بأن يدهسني، فقمت بالدعاء عليه بأن يصير له حادث، بعدها بقليل صار له حادث، ولكنه لم يتضرر، فقط مركبته التي تضررت، فهل أنا آثم على فعلي، علما بأنه كان يقود بسرعة عالية جدا في الأحياء السكنية؟
الحمد لله.
أولا:
الدعاء على الناس، لا يجوز إلا إذا كان مقابل ظلم.
قال الله تعالى:
( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ) النساء/148.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( إِلا مَن ظُلِمَ ) أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه، ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 212).
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: ( اذْهَبْ فَاصْبِرْ! فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ ) رواه أبو داود (5153)، وصححه المنذري والألباني كما في "صحيح الترغيب والترهيب" (2 / 682).
قال ابن رسلان رحمه الله تعالى:
" (فيخبرهم خبره، فجعل الناس يلعنونه) ويدعون عليه: (فعل اللَّه به وفعل). فيه: جواز الدعاء على من يتأذى منه الناس، ويكون جهرا؛ ليكون تأديبا له وزجرا عن الأذى " انتهى. "شرح سنن أبي داود" (19/440).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (71152).
ثانيا:
إذا كان الرجل مظلوما، أو دعا المسلم بحق؛ فهو حري أن يستجاب له.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: ( اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ) رواه البخاري (2448)، ومسلم (19).
وإما إن كان في دعائه اعتداء وظلم: فهو إثم، وحريّ أن لا يستجاب.
روى الإمام مسلم (2735) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: ( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ).
وعن عُبَادَة بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا؛ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ!
قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ ) رواه الترمذي (3573) وقال: "وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ".
ثالثا:
وقوع الحادث بعد دعائك على من روعك، وكاد يصدمك: لا يلزم بالضرورة أن يكون استجابة لدعائك، فقد يكون الدعاء منك، قد وافق قدرا من الله جل جلاله أن يصيب هذا الرجل ما أصابه، في هذا الوقت، واستجابة الدعاء أمر من الغيب، ليس بمقدور العبد أن يجزم به نفيا، ولا إثباتا؛ فالله أعلم بالحال.
لكن الذي عليك هو أن تنظري إلى نفسك، فإن كنت قد تسرعت بالدعاء عليه قبل تبيّن ظلمه لك، فعليك تدارك ذلك بالندم، والعزم على عدم العود إليه، والدعاء لهذا الشخص بالمغفرة، فالحسنة تمحو السيئة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( اللهُمَّ! إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ، يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً، وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري (6361)، ومسلم (2601) واللفظ له.
قال المازري رحمه الله تعالى:
"ويحتمل أن يكون خرج هذا مخرج الإشفاق منه صلى الله عليه وسلم، وتعليمِ أمته الخوف من تعدّي حدودِ الله تعالى؛ فكأنّه صلى الله عليه وسلم، يظهر الإشفاق من أن يكون الغضب يحمله على زيادة يسيرة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما زادها وَلَا أوقعها " انتهى من "المعلم بفوائد مسلم" (3/297).
وأما إن كان هذا الشخص قد تبيّن لك ظلمه، وتعمده ايذاء الناس وإلحاق الضرر بهم، ففي هذه الحال يجوز الدعاء عليه لكف شره، كما سبق.
لكن الإنسان أثناء الخوف قد يتلفظ بما لا يقصده من شدة الخوف والغضب، وعدم القصد يرفع الإثم. قال الله تعالى: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) الأحزاب/5.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ ، وَالنِّسْيَانَ ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ) رواه ابن ماجه (2043)، وصححه الألباني في "ارواء الغليل" (1 / 123).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (371207)، ورقم: (382197).
والخلاصة:
إن كنت قد دعوت على هذا الشخص بعد تبيّن ظلمه، فهو مشروع، لكن العفو والصبر أفضل.
وأما إن كنت قد دعوت عليه من غير أن يتبيّن لك أنه ظالم معتدي في تصرفه هذا، فهذا الدعاء منهي عنه، وعلى المسلم التوبة منه بالندم والعزم على عدم العودة إليه، فالندم توبة، والاحسان لهذا الشخص بالدعاء له.
والله أعلم.