عنوان الفتوى : ثبوت الربا بين الوالد وولده والراعي والرعية
في العيد يأخذ الأبناء مبالغ عيدية من أقاربهم، وليكن 100 جنيه، هل لو قال الأب لابنه: أعطني هذا المال، ولا تنفقه، وسوف أرده لك 200 جنيه الشهر القادم مكافأة لك على صبرك، وعدم إنفاقك، فهل في ذلك ربا؟ وهل يوجد ربا بين الشخص المُلزم بالإنفاق على الشخص ومكافأته، وبالقياس، هل لو طلب الحاكم من الناس عدم التوجه بانفاق المال بالاستثمار في الدولار، بل وضعه في يد الحاكم، مع رد الحاكم هذا المال بزيادة تعتبر مكافأة لرعيته، فهل في ذلك ربا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكره السائل عن الوالد وولده ليس بيعا، ولا معاوضة! وإنما هي حفظ ومكافأة من الوالد لولده، حيث يحفظ له ماله (100 جنيه) ويعطيه معها مائة أخرى مكافأة له، فهي مائة بمائة، والزيادة هدية، أو هبة غير ملزمة له، وإنما هو وعد يستحب الوفاء به.
وأما لو كان ذلك على سبيل القرض أو المعاوضة بينهما، فإنه سيكون ربا. وعامة أهل العلم على أن الربا يجري بين الوالد وولده، وإنما أجاز من أجاز منهم الربا بين السيد وعبده، باعتبار أن العبد وماله ملك للسيد.
قال ابن أبي موسى في «الإرشاد»: لم يختلف قوله أن الربا ثابت بين الوالد وولده، وأنه لا يجوز أن يبيع من ابنه درهما بدرهمين نقدا ولا نسيئة، ولا يبتاع منه درهما بدرهمين، وأجاز الربا بين العبد وسيده، وفرق بينهما بأن قال: إن مال الابن ملك له، والعبد وماله، ملك لسيده. اهـ.
وقال الريمي في «المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة»: عند الشافعي وكافة العلماء، أن الربا يجري بين الولد ووالده، وبين الزوج وزوجته، وبين العبد ومولاه، وبين الذمي والمسلم. اهـ.
وقال البهوتي في «كشاف القناع»: (ويجري الربا بينهما) أي: بين الوالد وولده؛ لتمام ملك الولد على ماله، واستقلاله بالتصرف فيه، ووجوب زكاته عليه، وحل الوطء، وتوريث ورثته. وحديث «أنت ومالك لأبيك» على معنى سلطة التملك، ويدل عليه إضافة المال للولد (ويثبت له) أي: الولد (في ذمته) أي: الوالد (الدين) من بدل قرض، وثمن مبيع، وأجرة، ونحوها (ونحوه) كأرش الجنايات، وقيم المتلفات، إعمالا للسبب فإن ملك الولد تام. اهـ.
وخالف في ذلك بعض المعاصرين، وخلصوا منه إلى أن الربا لا يجري بين الراعي والرعية، أو بين الدولة ورعاياها! ولم نجد لهذا القول وجها مقبولا، أو سندا عند الفقهاء المتقدمين.
والله أعلم.