عنوان الفتوى : اكتساب الخبرات النافعة من الكفار مشروع
أولا نشكركم على هذه الجهود المبذولة .. نسأل الله أنيجعل ذلك في موازين حسناتكم .. أعمل طبيبا في أحد مستشفيات الرياض .. وقد حصلت على ابتعاث لاكمال دراسة الطب في كندا..وقد عينت في مستشفى يهودي غالبية الاطباء والمرضى يهود.سؤالي حول حكم العمل في مستشفى يهودي علما بأن غالبية العاملين في المستشفيات الأخرى يهود..وما حكم الدراسة في بلاد الكفار من أجل الحصول على تدريب أفضل ..علما بأن التدريب في بلادنا ليس بالسيء..وهل يعتبر من الضرورة..وجزيتم خيرا..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الأصل في السفر إلى مثل البلاد المذكورة في السؤال لغرض دنيوي المنع، وهو شامل للدراسة، وذلك لما يخشى من حصول المفاسد الدينية، وكثرة رؤية الفساد، وغير ذلك مما يكون ضرره أعظم من النفع المتوقع، والأصل تقديم دفع المفاسد على جلب المصالح، وقد استثنى من ذلك ما كان لضرورة علاج أو تحصيل تخصص يحتاجه المسلمون، ولا يوجد في بلاد الإسلام، قال ابن جزي في القوانين: لا تجوز التجارة إلى أرض الحرب، قال سحنون: هي جرحة ولا يدخل المسلم بلادهم إلا لمفاداة مسلم، وينبغي للإمام أن يمنع الناس من الدخول إليها، ويجعل على الطريق من يصدهم.
وأما الدراسة في تلك البلاد لتحصيل تدريب أفضل مع أنه يمكن التدريب في بلاد المسلمين فلا تعتبر ضرورة، ويتأكد الأمر إذا عرفنا أن اليهود لا يجودون بخبراتهم الجيدة للمسلمين، وكذا إذا عرفنا أن فضيلة التدريب هناك إذا قورنت بما يخشى من خطر فساد الدين والأخلاق وجدنا أن المفسدة أعظم من المصلحة، والقاعدة الفقهية هي: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وأما العمل في المستشفى اليهودي للتدرب واكتساب الخبرة مع التوقي من أضرار مخالطتهم فهو جائز ما لم تترتب عليه مفسدة شرعية.
فقد كان الصحابة يتعاملون مع اليهود في التجارة.
ويعملون معهم بالأجرة فقد أجر كعب بن عجرة نفسه عند يهودي، فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيراً فقلت بأبي أنت مالي أراك متغيراً، قال: ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث، قال فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلا له فسقيت له على كل دلو بتمرة فجمعت تمراً فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أين لك يا كعب فأخبرته... الحديث.
والحديث حسنه الألباني في صحيح الترغيب.
وقد جوز أهل العلم اكتساب الخبرات النافعة في الدنيا من الكفار، واستدلوا على ذلك باستدلال النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة بعبد الله بن أريقط، وهو كافر، وباستفادته من تجربة الخندق وهي مأخوذة من أهل فارس وبفدائه أسارى بدر بتعليم الصبيان الكتابة.
إلا أنه من المفاسد الشرعية في العمل بمستشفى بكندا توقع التأثر بفساد دين أهل تلك البلاد وأخلاقهم، فليلاحظ ذلك، هذا من ناحية بيان الحكم في المسألة أصلاً، وأما إذا سافرت بالفعل وباشرت عملك، فإنا نرى أن عليك أن تنظر في نفسك فإن أمكنك الحفاظ والاستقامة على دينك والاتصال بالمراكز الإسلامية والصلاة مع أهلها في المساجد والتعاون معهم على الدعوة إلى الله تعالى إضافة إلى القيام بواجبك الدراسي، فاصبر على ذلك واستعن بالله في إنجاح مهمتك الدعوية والدراسية وفي سلامتك من مخاطر تلك البلاد على أخلاقك، فقد جوز أهل العلم السفر لبلاد الكفر لغرض الدعوة إلى الله ما لم يترتب على ذلك محظور شرعي، وإن كنت تخشى على دينك ولم تجد ما يعينك على الاستقامة فلا شك أن دينك هو أهم ما يجب أن يحافظ عليه، فبادر بالهجرة إلى أرض الإسلام، ففي صحيح مسلم: أن الرجل العالم لما استرشده التائب القاتل مائة قال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء... إلى آخر الحديث.
والله أعلم.
والله أعلم.