عنوان الفتوى : حلف على ترك معصية طوال عمره، فهل تلزمه الكفارة كلما فعلها؟
إذا حلف شخصٌ ما اليمين التالية: "والله إني لن أرتكب هذه المعصية إلى ما تبقى من عمري"، ثمّ نقض اليمين، وكفّر عنه بإطعام عشرة أشخاص، هل يجب عليه دفع الكفارة في كل مرة يكرِّر تلك المعصية؟
الحمد لله.
من عزم على ترك معصية فليستعن بالله، ويعزم على التوبة النصوح، ويأخذ بالأسباب المعينة على تركها، ولا يستخدم الأيمان طريقة للتوصل إلى تركها، حتى لا يعرض نفسه للحنث في اليمين ، كما هو الحاصل كثيرا .
ثانياً:
من حلف على ترك محرم، فيلزمه البقاء عليه يمينه، ولا يجوز له التحلل منها اختياراً؛ لأنّ التحلل منها اختياراً يعني العزم على فعل المحرم اختياراً.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ مسلم (1650)، فحثه على الكفارة إذا رأى غيرها خيراً منها، ولا شك أنّ العودة للمعصية ليست خيراً.
قال القاضي عياض رحمه الله في شرح الحديث: "أي ما حلف عليه، من فعل أو ترك خير لدنياه أو لأخراه، أو أوفق لهواه وشهوته، ما لم يكن إثماً" انتهى من "إكمال المعلم" (5/408).
قال ابن قدامة في المغني: "ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم: كان حلها محرما؛ لأن حلها بفعل المحرم وهو محرم" انتهى من "المغني" (13/444).
ثالثاً:
إذا وقع الإنسان في المعصية التي حلف على تركها في المستقبل، وكفّر عن يمينه، فقد تحلل من ذلك اليمين، ولو فعل الأمر مرة أخرى فلا كفارة عليه، وكأنّ اليمين لم تكن.
وإنما عليه التوبة والعزم على عدم العودة لتلك المعصية.
قال ابن قدامة رحمه الله:
"واليمين على أربعة أضرب:
يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها، وهي: اليمين على مستقبل متصوَّر، عاقدا عليه قلبه، فتوجب الكفارة؛ لقول الله تعالى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ [المائدة: 89]. انتهى من "الكافي في فقه الإمام أحمد" (4/186).
وقوله " إلى ما تبقى من عمري" لا تفيد تكرار الكفارة بتكرار الحنث ، وإنما تفيد توكيد العزم على عدم الحنث.
وقال القرافي رحمه الله: "الفرق بين قاعدة: مخالفة النهي إذا تكررت يتكرر التأثيم، وبين قاعدة مخالفة اليمين إذا تكررت لا تتكرر بتكررها الكفارة، والجميع مخالفة، بل تنحل اليمين بالمخالفة الأولى، ويسقط حكم اليمين، بخلاف النهي فإنه يبقى مستمرا وإن خولف ألف مرة، ويتكرر الإثم بتكرره" انتهى من "الفروق" (3/78).
وقال ابن نجيم الحنفي، رحمه الله: وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا تَرَكَهُ أَبَدًا أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْحَلُّ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ سَهْوٌ بَلْ تَنْحَلُّ فَإِذَا حَنِثَ بِفِعْلِهِ مَرَّةً لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ ثَانِيًا. انتهى، من "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (4/ 400).
وقد سئلت اللجنة الدائمة:
لقد حلفت يمين الله على المصحف الشريف وهو بين يدي على أن لا أدخل منزل أخي شقيقي أبدا مادمت حيا، فهل ممكن أتحلل من هذا اليمين حسب الشريعة الإسلامية؟ وجزاكم الله الخير والبركة.
فأجابوا: "يشرع لك الرجوع عن اليمين التي حلفتها بعدم دخول بيت شقيقك، وتكفر كفارة يمين، وهي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم تستطع فصم ثلاثة أيام، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) رواه البخاري" فتاوى اللجنة الدائمة (23/ 154)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " إذا حلف الإنسان على ألا يفعل شيئاً، ثم فعله، فعليه كفارة، (وهي على التخيير بين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم تستطع على هذه الثلاثة انتقلت إلى الصيام).
وإذا حنث انحلت اليمين، كأنه لم يحلف".
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |