عنوان الفتوى : الانتفاع بالمال المكتسب من توصيل بعض العصاة
أنا أعمل سائق أجرة في إحدى المدن، وزبائني من عامّة الناس، ومنهم من يسبّ الدِّين، أو يدخّن السجائر، أو يكون ذاهبًا لمكان معصية، أو يكون ممن كسبهم حرامًا؛ كمن يعمل في بنك يتعامل بالربا، أو بائع يبيع المحرمات، فما حكم التعامل معهم؟ وما حكم المال المكتسب، وأنا قد لا أعلم ذلك إلا في الطريق؟
وإذا سبّ أحدهم الدِّين، وأنا لا أستطيع الإنكار عليه، فهل آثم مع إنكاري في القلب؟ وهل عليَّ التخلّص من ذلك المال؟ مع العلم أني مديون، ولا أستطيع ترك العمل، ولا أجد غيره في الوقت الحالي. أرجو أن تفيدوني -بارك الله فيكم-.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمن استأجرك لتوصله إلى مكان مباح، فلا حرج عليك في التعامل معه، والانتفاع بالأجرة المكتسبة من ذلك العمل، ولا علاقة لك بعقيدة الراكب، وصلاحه، أو فسقه، وليس عليك أن تنقّب عن ذلك، وتبحث عنه.
وكذلك ليس عليك أن تبحث من أين اكتسب ماله؛ فهذا أقرب للوسوسة، والتنطع؛ فأعرض عنه؛ فالأصل أن ما في يد الإنسان ملكه، ولا يلزم التنقيب عن مصدر الملك، وهل هو حلال أم حرام؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: والأصل فيما بيد المسلم أن يكون ملكًا له إن ادَّعى أنه ملكه، فإذا لم أعلم حال ذلك المال الذي بيده؛ بنيت الأمر على الأصل، ثم إن كان ذلك الدرهم في نفس الأمر قد غصبه هو ولم أعلم أنا؛ كنت جاهلًا بذلك، والمجهول كالمعدوم. انتهى.
وأما من أراد فعل محرم في سيارتك؛ كَسَبِّ الدِّين، أو شرب الخمر، ونحوه؛ فعليك منعه، والإنكار عليه قدر استطاعتك، ولو لم تقدر على الإنكار إلا بقلبك؛ فعليك فعل ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم. وفي رواية: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
والله أعلم.