عنوان الفتوى : من تشارك مع غيره في تجارة بناء على نصيحة أحد التجار وتسبب الشريك في الخسارة
أنا مستورد لبعض السلع من الخارج، وكان رأس مالي غير كافٍ، فطلبت مساعدة التزويد بالدَّين من مُورّد، فرفض، وبعد سنوات عاد إليّ، وقال لي: هناك صهر لي أريد أن يكون معك في العمل، وأنا سأساعدكما، فقلت له: أنا لا أعرف طبيعته، وشخصيته، ونحو ذلك، فقال لي: إذا لم تقتنع به، فسوف تفارقه، فقبلت اقتراحه، وعملت معه، ولكن بعض أقارب المورّد الناصحين أخبروني أن صهره متقلّب، وليس ذا عزيمة، ونهاية المطاف الافتراق، ولكني وثقت بالمورد أكثر، وظننت أنه لا يُخفي عني عيوب صهره، إذا كانت تضرّ العمل.
بوعندما بدأنا العمل، سرعان ما تقلّب، فكنت أعمل وحدي 99% من العمل في الشركة، ونأخذ فائدته معًا، ولم يساعدنا المورد قدرًا يكفي، وأخيرًا قطع عنا التزويد القليل، فتسبّب في خسارة 50% من رأس مالي.
فاشتكيت له من سوء معاملة صهره للتفريق بيننا، وانسحب الصهر من الشركة أخيرًا، وبعد ذلك طلبت المساعدة في التزويد من المورد، وأخبرتُه أني خسرت بسببهما، فقال: هكذا التجارة، يومًا تربح، ويومًا تخسر، وبعد بداية العمل حرّف لفظ المساعدة، وقال: أنا لم أعاهدك مساعدة التزويد بالسلعة، وإنما أطلقت لفظ المساعدة، وقد تكون المساعدة بالرأي، فما الرأي في الإسلام فيما حدث؟ وكيف أتعامل معه من حيث:
١. إخفاء العيوب، و"المستشار مؤتمن".
٢. رفض المساعدة، وتحريف معناها أخيرًا، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
٣. أكل صهره من كسب يدي دون عمل، ودون مقال.
٤. تسببهما في خسارة 50%، وتركي وحدي لمصيري.
٥. وماذا يجب لي من التعويض؛ لأن المتسبب كالمباشر؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالفصل في قضايا المنازعات محلُّهُ المحاكمُ الشرعية، أو من ينوب منابها؛ وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع، وإدراك حقيقة الدعاوي، والبينات، والدُّفُوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي؛ فإنه لا يَسْمَع إلا من طرفٍ واحد، ولن يكون تصوّره للمسألة إلا بحسب ما تُتِيْحُه طريقةُ الاستفتاء؛ ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا.
ومع ذلك، فإنا نلفت نظر السائل إلى أن أقارب المورد قد نصحوه، وبينوا له حقيقة هذا الصهر، ولكنه لم يعمل بنصيحتهم.
ثم إنه كان بإمكانه أن يفسخ الشراكة مع هذا الصهر بمجرد أن ظهر منه توانٍ في العمل، أو تهرّب من المسؤولية.
كما كان بإمكانه أيضًا أن يقاضيه في نسبة الربح التي يستحقّها باعتبار أنه قصَّر، ولم يقم بواجب عمله، فيطالب بإنقاص ربحه بقدر تقصيره، وينظر من يحكم بينهما في تقدير ذلك.
وأما الخسارة؛ فيتحمّلها الشريكان معًا، كما يستحقان الربح معًا: إما بقدر رأس مال كل منهما، وإما بحسب اتفاقهما في العقد.
وأما وعد المورد؛ فإنه يظهر أنه لم يكن بشيء محدد، وإنما هو وعد بمطلق المساعدة، فيتحقق بأي قدر منها، وقد حصل شيء من ذلك، كما يدلّ عليه قول السائل: (لم يساعدنا المورد قدرًا يكفي، وأخيرًا قطع عنا التزويد القليل).
والله أعلم.