عنوان الفتوى : بطلان ما نسب لابن تيمية في صفة الله بهذا الوصف
هل صحيح قول ابن تيمية إن الله شاب أمرد؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى غير صحيح، بل كلامه المسطور في أكثر كتبه مصرح بنفي ما ذكر عنه، وهذا كلامه في مجموع الفتاوى، قال رحمه الله تعالى: وثبت في الصحيح أن الله يدنو عشية عرفة وفي رواية إلى السماء الدنيا فيباهي الملائكة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ما أراد هؤلاء، وقد روي أن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إن صح الحديث فإن هذا مما تكلم فيه أهل العلم
وكذلك ما روى بعضهم أن النبي لما نزل من حراء تبدى له ربه على كرسي بين السماء والأرض غلط باتفاق أهل العلم، بل الذي في الصحاح أن الذي تبدى له الملك الذي جاءه بحراء في أول مرة وقال له اقرأ فقلت لست بقارىء فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت لست بقارىء فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم فهذا أول ما نزل على النبي.
ثم جعل النبي يحدث عن فترة الوحي قال فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض رواه جابر رضي الله عنه في الصحيحين، فأخبر أن الملك الذي جاءه بحراء رآه بين السماء والأرض وذكر أنه رعب منه، فوقع في بعض الروايات الملك فظن القارىء أنه الملك وأنه الله وهذا غلط وباطل.
وبالجملة أن كل حديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينيه في الأرض وفيه أنه نزل له إلى الأرض وفيه أن رياض الجنة من خطوات الحق وفيه أنه وطىء على صخرة بيت المقدس كل هذا كذب باطل باتفاق علماء المسلمين من أهل الحديث وغيرهم.
وكذلك كل من ادعى أنه رأى ربه بعينيه قبل الموت فدعواه باطلة باتفاق أهل السنة والجماعة لأنهم اتفقوا جميعهم على أن أحدا من المؤمنين لا يرى ربه بعيني رأسه حتى يموت، وثبت ذلك في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكر الدجال قال واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت.
وكذلك روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر يحذر أمته فتنة الدجال وبين لهم أن أحدا منهم لن يرى ربه حتى يموت فلا يظنن أحد أن هذا الدجال الذي رآه هو ربه.
ولكن الذي يقع لأهل حقائق الإيمان من المعرفة بالله ويقين القلوب ومشاهدتها وتجلياتها هو على مراتب كثيرة قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان قال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وقد يرى المؤمن ربه في المنام في صورة متنوعة على قدر إيمانه ويقينه فإذا كان إيمانه صحيحا لم يره إلا في صورة حسنة وإذا كان في إيمانه، نقص رأى ما يشبه إيمانه ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق.
وقد يحصل لبعض الناس في اليقظة أيضا من الرؤيا نظير ما يحصل للنائم في المنام فيرى بقلبه مثل ما يرى النائم وقد يتجلى له من الحقائق ما يشهده بقلبه فهذا كله يقع في الدنيا.
وربما غلب أحدهم ما يشهده قلبه وتجمعه حواسه فيظن أنه رأى ذلك بعيني رأسه حتى يستيقظ فيعلم أنه منام وربما علم في المنام أنه منام.
فهكذا من العباد من يحصل له مشاهدة قلبية تغلب عليه حتى تفنيه عن الشعور بحواسه فيظنها رؤية بعينه وهو غالط في ذلك وكل من قال من العباد المتقدمين أو المتأخرين أنه رأى ربه بعيني رأسه فهو غالط في ذلك، بإجماع أهل العلم والإيمان.
نعم رؤية الله بالأبصار هي للمؤمنين في الجنة وهي أيضا للناس في عرصات القيامة كما تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس في الظهيرة ليس دونها سحاب وكما ترون القمر ليلة البدر صحوا ليس دونه سحاب.
وقال: جنات الفردوس أربع جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن، وقال إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجيرنا من النار، فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة.
وهذه الأحاديث وغيرها في الصحاح وقد تلقاها السلف والأئمة بالقبول واتفق عليها أهل السنة والجماعة، وإنما يكذب بها أو يحرفها الجهمية ومن تبعهم من المعتزلة والرافضة ونحوهم الذين يكذبون بصفات الله تعالى وبرؤيته وغير ذلك وهم المعطلة شرار الخلق والخليقة.
ودين الله وسط بين تكذيب هؤلاء بما أخبر به رسول الله في الآخرة وبين تصديق الغالية بأنه يرى بالعيون في الدنيا وكلاهما باطل.
وهؤلاء الذين يزعم أحدهم أنه يراه بعيني رأسه في الدنيا هم ضُلاّل كما تقدم، فإن ضموا إلى ذلك أنهم يرونه في بعض الأشخاص إما بعض الصالحين أو بعض المردان أو بعض الملوك أو غيرهم عظم ضلالهم
وكفرهم وكانوا حينئذ أضل من النصارى الذين يزعمون أنهم رأوه في صورة عيسى ابن مريم .
وقال في موطن آخر : وهكذا أحاديث في بعضها أن محمدا رأى ربه في الطواف وفي بعضها أنه رآه وهو خارج من مكة وفي بعضها أنه رآه في بعض سكك المدينة إلى أنواع أخر، وكل حديث فيه أن محمدا رأى ربه بعينه في الأرض فهو كذب باتفاق المسلمين وعلمائهم هذا شيء لم يقله أحد من علماء المسلمين ولا رواه أحد منهم، وإنما كان النزاع بين الصحابة في أن محمدا هل رأى ربه ليلة المعراج فكان ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر علماء السنة يقولون إن محمدا رأى ربه ليلة المعراج وكانت عائشة رضي الله عنها وطائفة معها تنكر ذلك، ولم ترو عائشة رضي الله عنها في ذلك عن النبي ولا سألته عن ذلك، ولا نقل في ذلك عن الصديق رضي الله عنه كما يروونه ناس من الجهال أن أباها سأل النبي فقال نعم وقال لعائشة لا فهذا الحديث كذب باتفاق العلماء. اهـ
وقال الإمام الذهبي في السير : ولئن جوزنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، فهو أدرى بما قال ، ولرؤياه في المنام تعبير لم يذكره صلى الله عليه وسلم ، ولا نحن نحسن أن نعبره ، فإما أن نحمله على ظاهره الحسي ، فمعاذ الله أن نعتقد الخوض في ذلك بحيث أن بعض الفضلاء قال: تصحف الحديث ، وإنما هو: رأي رِئِيَّة بياء مشددة . وقد قال علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون .
وقد صح أن أبا هريرة كتم حديثاً كثيراً مما لا يحتاجه المسلم في دينه ، وكان يقول: لو بثثته فيكم لقطع هذا البلعوم ، وليس هذا من باب كتمان العلم في شيء ، فإن العلم الواجب يجب بثه ونشره ويجب على الأمة حفظه ، والعلم الذي في فضائل الأعمال مما يصح إسناده يتعين نقله ويتأكد نشره وينبغي للأمة نقله، والعلم المباح لا يجب بثه ولا ينبغي أن يدخل فيه إلا خواص العلماء . انتهى كلام الذهبي
وأما الحديث الذي فيه رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه في صورة شاب أمرد، فقد تكلم العلماء فيه قال الهيثمي في مجمع الزوائد : وعن أم طفيل امرأة أبي بن كعب قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" رأيت ربي في المنام في صورة شاب موفر في خف عليه نعلان من ذهب ، على وجهه فراش من ذهب " قال الحديث .
رواه الطبراني ، وقال ابن حبان : إنه حديث منكر لأن عمارة بن عامر بن حزم الأنصاري لم يسمع من أم الطفيل ذكره في ترجمة عمارة في الثقات
وقال صاحب كتاب أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب : حديث : " رأيت ربي في صورة أمرد وله وفرة " أي شعر في رأسه ، وبلفظ : " رأيت ربي في صورة شاب أمرد " . وبلفظ : " يوم النفر على جمل أورق عليه جبة صوف أمام الناس " .
موضوع كما في الذيل ، وكذا قال السبكي وغيره
وقال العلامة ملا علي القاري في كتابه الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة : حديث رأيت ربي يوم النفر على جمل أورق عليه جبة صوف أمام الناس، موضوع لا أصل له كذا في الذيل، وفي اللآلىء عن ابن عباس رفعه
رأيت ربي في صورة شاب له وفرة وروي في صورة شاب أمرد.
والله أعلم.