عنوان الفتوى : حكم المعتزلة ومن قال بخلق القرآن
ما حكم من قال إن القرآن مخلوق، كيف يكون الرد على من يدعي أن القرآن مخلوق؟ هل المعتزلة كفرة ومن أيدهم من الخلفاء في هذا القول ولقتلهم العلماء من غير حق، أفيدونا أفادكم الله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقول بخلق القرآن كفر وقد جاء ذلك عن كثير من السلف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية حاكياً عن السلف: ولهذا كفروا من يقول إن القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الآخرة. انتهى من مجموع الفتاوى.
وأما الرد على من قال إن القرآن مخلوق فقد تقدم في الفتوى رقم: 3988، والفتوى رقم: 29238.
وأما عن المعتزلة فقد تقدم الكلام عن عقائدهم في الفتوى رقم: 17236.
والمعتزلة يقولون بخلق القرآن وينفون رؤية الله في الآخرة، وقد كفر السلف من يقول بذلك، لكن هناك فرق بين الحكم العام وتكفير المعين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولكن المقصود هنا أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بين النوع والعين، ولهذا حكى طائفة عنهم الخلاف في ذلك ولم يفهموا غور قولهم، فطائفة تحكي عن أحمد في تكفير أهل البدع روايتين مطلقا حتى تجعل الخلاف في تكفير المرجئة والشيعة المفضلة لعلي وربما رجحت التكفير والتخليد في النار، وليس هذا مذهب أحمد ولا غيره من أئمة الإسلام، بل لا يختلف قوله إنه لا يكفر المرجئة الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل، ولا يكفر من يفضل عليا على عثمان، بل نصوصه صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم، وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته، لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرة بينة، ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق، وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم وأنه يدور على التعطيل، وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة، لكن ما كان يكفر أعيانهم، فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به والذي يعاقبه، ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية، إن القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك، ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم ويكفرون من لم يجبهم، حتى أنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية، إن القرآن مخلوق وغير ذلك.
ولا يولون متوليا ولا يعطون رزقا من بيت المال إلا لمن يقول ذلك، ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله تعالى ترحم عليهم واستغفر لهم لعلمه بأنهم لم يتبين لهم أنهم مكذبون للرسول ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطأوا وقلدوا من قال لهم ذلك، وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد حين قال: القرآن مخلوق: كفرت بالله العظيم، بين له أن هذا القول كفر ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك، لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله، وقد صرح في كتبه بقبول شهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم، وكذلك قال مالك رحمه الله والشافعي وأحمد في القدري: هل يكفر؟ فقال: إن جحد العلم كفر، وحينئذ فجاحد العلم هو من جنس الجهمية. انتهى من مجموع الفتاوى.
والله أعلم.