عنوان الفتوى : هل ترتيب الآيات في السور وأسماء السور بتوقيف من رسول الله؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

السؤال

ما سبب عدم وجود ترتيب منطقي في آيات القرآن، بل التقلّب من موضوع لآخر، وحتى أسماء السور غير شاملة لكل المواضيع المذكورة بها؟

مدة قراءة الإجابة : 12 دقائق

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن صياغة السؤال فيها من سوء الأدب والجرأة على كتاب الله ما يستغرب صدور مثله من مؤمن معظّم للقرآن المجيد!

واعلم أن مشركي قريش، وهم العرب الأقحاح أرباب الفصاحة والبلاغة، لم يقدحوا في بلاغة القرآن العظيم وإعجازه بمثل هذه الاعتراضات التي ذكرت، ولو كانت مطعنًا حقًّا لسارعوا في الطعن بها في القرآن الكريم، وهم أحرص الناس على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، ورد ما جاء به.

وعلى كل حال؛ فإن ترتيب الآيات في السور توقيفي بإجماع العلماء، وهذا الترتيب من وجوه إعجاز القرآن الكريم، ومن هنا قرر العلماء أن الآيات لا تخلو من مناسبة بما قبلها وما بعدها، لكن لا يلزم أن يكون ذلك التناسب ظاهرًا لكل أحد، وليس من اللازم أيضًا التكلف في إظهار المناسبة بين الآيات، جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور: وأما ترتيب الآي بعضها عقب بعض، فهو بتوقيف من النبيء صلى الله عليه وسلم حسب نزول الوحي، ومن المعلوم أن القرآن نزل منجمًا آيات، فربما نزلت عدة آيات متتابعة، أو سورة كاملة؛ وذلك الترتيب مما يدخل في وجوه إعجازه من بداعة أسلوبه؛ فلذلك كان ترتيب آيات السورة الواحدة على ما بلغتنا عليه متعينًا، بحيث لو غيّر عنه إلى ترتيب آخر؛ لنزل عن حد الإعجاز الذي امتاز به؛ فلهذا كان الأصل في آي القرآن أن يكون بين الآية ولا حقتها تناسب في الغرض، أو في الانتقال منه، أو نحو ذلك من أساليب الكلام المنتظم المتصل.

ومما يدل عليه: وجود حروف العطف المفيدة الاتصال، مثل الفاء، ولكن، وبل، ومثل أدوات الاستثناء، على أن وجود ذلك لا يعين اتصال ما بعده بما قبله في النزول، فإنه قد اتفق على أن قوله تعالى: غير أولي الضرر نزل بعد نزول ما قبله وما بعده من قوله: لا يستوي القاعدون إلى قوله: وأنفسهم [النساء:95]، قال بدر الدين الزركشي: «قال بعض مشايخنا المحققين، قد وهم من قال: لا تطلب للآي الكريمة مناسبة، والذي ينبغي في كل آية أن يبحث أول شيء عن كونها مكملة لما قبلها، أو مستقلة، ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها، ففي ذلك علم جم».

* على أنه يندر أن يكون موقع الآية عقب التي قبلها لأجل نزولها عقب التي قبلها من سورة هي بصدد النزول، فيؤمر النبيء بأن يقرأها عقب التي قبلها، وهذا كقوله تعالى: وما نتنزل إلا بأمر ربك [مريم:64] عقب قوله: تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيًّا. في سورة مريم [63]، فقد روي أن جبريل لبث أيامًا لم ينزل على النبيء صلى الله عليه وسلم بوحي، فلما نزل بالآيات السابقة، عاتبه النبيء، فأمر الله جبريل أن يقول: وما نتنزل إلا بأمر ربك، فكانت وحيًا نزل به جبريل، فقرئ مع الآية التي نزل بأثرها.

وكذلك آية: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما بعوضة فما فوقها [البقرة:26] عقب قوله تعالى: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات إلى قوله: وهم فيها خالدون في سورة البقرة [25]؛ إذ كان ردًّا على المشركين في قولهم: أما يستحي محمد أن يمثّل بالذباب، وبالعنكبوت؟ فلما ضرب لهم الأمثال بقوله: مثلهم كمثل الذي استوقد نارًا [البقرة:17]، تخلص إلى الرد عليهم فيما أنكروه من الأمثال، على أنه لا يعدم مناسبة ما.

* وقد لا تكون له مناسبة، ولكنه اقتضاه سبب في ذلك المكان، كقوله تعالى: لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه. فهذه الآيات نزلت في سورة القيامة [16- 19] في خلال توبيخ المشركين على إنكارهم البعث، ووصف يوم الحشر وأهواله، وليست لها مناسبة بذلك، ولكن سبب نزولها حصل في خلال ذلك، روى البخاري عن ابن عباس قال: «كان رسول الله إذا نزل جبريل بالوحي، كان مما يحرك به لسانه وشفتيه يريد أن يحفظه، فأنزل الله الآية التي في: لا أقسم بيوم القيامة [القيامة:1] اهـ. فذلك يفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّك شفتيه بالآيات التي نزلت في أول السورة.

* على أنه قد لا يكون في موقع الآية من التي قبلها ظهور مناسبة، فلا يوجب ذلك حيرة للمفسر؛ لأنه قد يكون سبب وضعها في موضعها أنها قد نزلت على سبب، وكان حدوث سبب نزولها في مدة نزول السورة التي وضعت فيها، فقرئت تلك الآية عقب آخر آية انتهى إليها النزول، وهذا كقوله تعالى: حافظوا على الصلوات إلى قوله: ما لم تكونوا تعلمون [البقرة:239،238] بين تشريعات أحكام كثيرة في شؤون الأزواج والأمهات.

* وقد تكون الآية ألحقت بالسورة بعد تمام نزولها بأن أمر الرسول بوضعها عقب آية معينة، كما تقدم آنفًا عن ابن عباس في آية: واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله [البقرة:281]، وكذلك ما روي في «صحيح مسلم» عن ابن مسعود أن أول سورة الحديد نزل بمكة، ولم يختلف المفسرون في أن قوله تعالى: وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله [الحديد:10] إلى آخر السورة نزل بالمدينة، فلا يكون ذلك إلا لمناسبة بينها وبين آي تلك السورة والتشابه في أسلوب النظم، وإنما تأخر نزول تلك الآية عن نزول أخواتها من سورتها لحكمة اقتضت تأخرها، ترجع غالبًا إلى حدوث سبب النزول.

* ولما كان تعيين الآيات التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في موضع معين غير مروي إلا في عدد قليل، كان حقًّا على المفسّر أن يتطلب مناسبات لمواقع الآيات ما وجد إلى ذلك سبيلًا موصلًا، وإلا فليعرض عنه، ولا يكن من المتكلفين.

إن الغرض الأكبر للقرآن هو إصلاح الأمة بأسرها:

فإصلاح كفارها بدعوتهم إلى الإيمان، ونبذ العبادة الضالة، واتّباع الإيمان والإسلام.

وإصلاح المؤمنين بتقويم أخلاقهم، وتثبيتهم على هداهم، وإرشادهم إلى طرق النجاح، وتزكية نفوسهم؛ ولذلك كانت أغراضه مرتبطة بأحوال المجتمع في مدة الدعوة، فكانت آيات القرآن مستقلًّا بعضها عن بعض؛ لأن كل آية منه ترجع إلى غرض الإصلاح، والاستدلال عليه، وتكميله وتخليصه من تسرب الضلالات إليه، فلم يلزم أن تكون آياته متسلسلة، ولكن حال القرآن كحال الخطيب يتطرق إلى معالجة الأحوال الحاضرة على اختلافها، وينتقل من حال إلى حال بالمناسبة؛ ولذلك تكثر في القرآن الجمل المعترضة لأسباب اقتضت نزولها، أو بدون ذلك، فإن كل جملة تشتمل على حكمة، وإرشاد، أو تقويم معوج، كقوله: وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار- إلى قوله- قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران:72، 73] فقوله: قل إن الهدى هدى الله جملة معترضة اهـ. باختصار.

ومما يتعلق بهذا المبحث: ما يعرف عند الباحثين المعاصرين بالوحدة الموضوعية لسور القرآن الكريم، ويمكنك الرجوع فيه إلى كتاب: (الوحدة القرآنية: دراسة تحليلية مقارنة) للدكتور محمد بن محمود خوجة.

وأما أسماء سور القرآن العظيم: فليست كلها بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن المقصود من التسمية تيسير المراجعة والمذاكرة، وفائدتها: أن تكون بما يميز السورة عن غيرها، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير:

وأما أسماء السور، فقد جعلت لها من عهد نزول الوحي، والمقصود من تسميتها تيسير المراجعة والمذاكرة. وقد دل حديث ابن عباس أن النبيء صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا نزلت الآية: «ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا»، فسورة البقرة مثلًا كانت تلقب بالسورة التي تذكر فيها البقرة.

وفائدة التسمية أن تكون بما يميز السورة عن غيرها.

وأصل أسماء السور أن تكون بالوصف، كقولهم السورة التي يذكر فيها كذا، ثم شاع فحذفوا الموصول، وعوضوا عنه الإضافة، فقالوا: سورة ذكر البقرة مثلًا، ثم حذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه، فقالوا: سورة البقرة. أو أنهم لم يقدروا مضافًا، وأضافوا السورة لما يذكر فيها لأدنى ملابسة. وقد ثبت في «صحيح البخاري» قول عائشة -رضي الله عنها-: «لما نزلت الآيات من آخر البقرة» الحديث. وفيه عن ابن مسعود قال: قرأ رسول الله النجم. وعن ابن عباس أن رسول الله سجد بالنجم.

والظاهر أن الصحابة سموا بما حفظوه عن النبيء صلى الله عليه وسلم، أو أخذوا لها أشهر الأسماء التي كان الناس يعرفونها بها، ولو كانت التسمية غير مأثورة، فقد سمى ابن مسعود القنوت سورة الخلع والخنع، فتعين أن تكون التسمية من وضعه، وقد اشتهرت تسمية بعض السور في زمن النبيء صلى الله عليه وسلم، وسمعها وأقرّها، وذلك يكفي في تصحيح التسمية.

واعلم أن أسماء السور إما أن تكون بأوصافها، مثل الفاتحة وسورة الحمد.

وإما أن تكون بالإضافة لشيء اختصت بذكره، نحو سورة لقمان، وسورة يوسف، وسورة البقرة.

وإما بالإضافة لما كان ذكره فيها أوفى، نحو سورة هود، وسورة إبراهيم.

وإما بالإضافة لكلمات تقع في السورة، نحو سورة براءة، وسورة حم عسق، وسورة حم السجدة، كما سماها بعض السلف، وسورة فاطر.

وقد سموا مجموع السور المفتتحة بكلمة حم «آل حم».

وربما سموا السورتين بوصف واحد، فقد سموا سورة الكافرون، وسورة الإخلاص المقشقشتين.

واعلم أن الصحابة لم يثبتوا في المصحف أسماء السور، بل اكتفوا بإثبات البسملة في مبدأ كل سورة؛ علامة على الفصل بين السورتين، وإنما فعلوا ذلك كراهة أن يكتبوا في أثناء القرآن ما ليس بآية قرآنية، فاختاروا البسملة؛ لأنها مناسبة للافتتاح، مع كونها آية من القرآن.

وفي «الإتقان» أن سورة البينة سميت في مصحف أُبيّ سورة أهل الكتاب، وهذا يؤذن بأنه كان يسمي السور في مصحفه.

وكتبت أسماء السور في المصاحف باطراد في عصر التابعين، ولم ينكر عليهم ذلك، قال المازري في «شرح البرهان» عن القاضي أبي بكر الباقلاني: إن أسماء السور لما كتبت المصاحف، كتبت بخط آخر لتتميز عن القرآن، وإن البسملة كانت مكتوبة في أوائل السور بخط لا يتميز عن الخط الذي كتب به القرآن. اهـ. باختصار.

فالاعتراض الذي أوردته عجيب غريب جدًّا، وهل يقول عاقل: إن تسمية الشيء يشترط فيه أن يستوعب الاسم كل ما يشتمل عليه المسمى؟!.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
نزل جبريل بتلاوتها، ونزل الملك بثوابها
بداية نزول الوحي على الرسول الكريم
المصحف الشريف ليس مرتباً حسب النزول
المدة التي استغرقها نزول القرآن الكريم
تاريخ نزول الآيات
البسملة هي الفيصل بين سور القرآن الكريم
هل صحيح أن الوحي ينزل على قلب رسول الله دون سمعه؟
نزل جبريل بتلاوتها، ونزل الملك بثوابها
بداية نزول الوحي على الرسول الكريم
المصحف الشريف ليس مرتباً حسب النزول
المدة التي استغرقها نزول القرآن الكريم
تاريخ نزول الآيات
البسملة هي الفيصل بين سور القرآن الكريم
هل صحيح أن الوحي ينزل على قلب رسول الله دون سمعه؟