عنوان الفتوى : ما حكم البدء من وسط الآية في التلاوة مع تعلقه بما قبله؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم أن يقرأ القارئ مبتدأً بوسط الآية كأن يقرأ: (بِإيمانِهِم تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ في جَنّاتِ النَّعيمِ)، ويكمل، بدلا من (إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهديهِم رَبُّهُم بِإيمانِهِم تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ في جَنّاتِ النَّعيمِ) يونس/٩، علما أنها ليست للاستشهاد أو الاستدلال وما شابه، وإنما هي تلاوة يتم تسجيلها ونشرها؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

أولا:

البداية من وسط الآية لا حرج فيه، إذا لم يكن الوقف والابتداء قبيحا، كما لو قرأ: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا) ووقف ثم ابتدأ فقرأ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ).

فهذا قبيح، ولو اعتقد معناه لكفر.

ولا يستحسن إذا بدأ بما يتعلق بما قبله لفظا ومعنى.

قال الزركشي في "البرهان في علوم القرآن" (1/352-353) : " والقبيح هو الذي لا يفهم منه المراد نحو : ( الحمد ) فلا يوقف عليه ، ولا على الموصوف دون الصفة ، ولا على البدل دون المبدل ....

وأقبح من هذا: الوقف على قوله: ( لقد كفر الذين قالوا )، ( ومن يقل منهم )، والابتداء بقوله: ( إن الله هو المسيح ابن مريم )، ( إن الله ثالث ثلاثة )، ( إني إله )؛ لأن المعنى يستحيل بهذا في الابتداء ، ومن تعمده وقصد معناه فقد كفر.

ومثله في القبح الوقف على : ( فبهت الذي كفر والله ) و ( مثل السوء ولله ) ، وشبهه ، ومثله : ( وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه ) و ( إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى) .

وأقبح من هذا وأشنع : الوقف على النفي دون حروف الإيجاب ، نحو : ( لا إله إلا الله ) [يعني: فيقف على : لا إله] ، ( وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ) [ فيقف على : وما أرسلناك]، وكذا : ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم والذين كفروا ) و ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا) .

فإن اضطر لأجل التنفس جاز ذلك، ثم يرجع إلى ما قبله حتى يصله بما بعده، ولا حرج " انتهى.

ثانيا:

قد يكون الوقف حسنا، ولا يحسن الابتداء بما بعده؛ لتعلقه به في اللفظ والمعنى.

وما ذكرته من البدء بقوله تعالى: (بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) يونس/9 من آية: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ) هو من هذا القبيل الذي لا يحسن الابتداء به لتعلقه بما قبله؛ فإن قوله (بإيمانهم) جار ومجرور متعلق بفعل: (يهديهم)، أي يسدّدهم بسبب إيمانهم، وليس متعلقا ب (تجري).

وجملة (تجري من تحتها الأنهار) خبر ثان لإنّ. فكيف يجعل (بإيمانهم) متعلقا ب (تجري)؟!

قال النسفي في تفسيره (2/8): " إن الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ يسددهم بسبب إيمانهم للاستقامة على سلوك الطريق السديد المؤدي إلى الثواب، ولذا جعل تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار بياناً له وتفسيراً، إذ التمسك بسبب السعادة، كالوصول إليها. أو يهديهم في الآخرة بنور إيمانهم إلى طريق الجنة" انتهى.

وجاء في "إعراب القرآن" للدعاس (2/17): " يَهْدِيهِمْ مضارع، والهاء مفعولُه. رَبُّهُمْ فاعل، والهاء مضاف إليه، والجملة خبر إن بِإِيمانِهِمْ: متعلقان بيهديهم، والهاء مضاف إليه. تَجْرِي مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل، مِنْ تَحْتِهِمُ متعلقان بتجري، والهاء مضاف إليه" انتهى.

وفي الجدول في "إعراب القرآن" (11/83): " (بإيمان) جارّ ومجرور متعلّق ب (يهدي) ، والباء للسببيّة و (هم) مثل الأخير (تجري) مثل يهدي (من تحت) جارّ ومجرور متعلّق ب (تجري)" انتهى.

وفي "التحرير والتنوير" (11/102): " وجملة: ( تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ): خبر ثان لذكر ما يحصل لهم من النعيم في الآخرة، بسبب هدايتهم الحاصلة لهم في الدنيا".

وبعض القراء يستحسن معنى معينا فيبدأ به، غافلا عن الإعراب الذي يبين له الفعل ومتعلقه، فيفصل بين ما حقه الوصل.

وعلم الوقف والابتداء من آكد ما ينبغي أن يتعلمه القارئ، كما بينا في جواب السؤال رقم: (159072). 

وقد نبه ابن الجزري رحمه الله على أشياء مما يقع فيه بعض القراء اليوم فقال:

" ليس كل ما يتعسفه بعض المُعربين، أو يتكلفه بعض القراء، أو يتأوله بعض أهل الأهواء، مما يقتضي وقفا وابتداء: ينبغي أن يتعمد الوقف عليه، بل ينبغي تحري المعنى الأتم، والوقف الأوجه، وذلك نحو الوقف على (وارحمنا أنت)، والابتداء (مولانا فانصرنا) على معنى النداء.

ونحو: (ثم جاءوك يحلفون) ثم الابتداء (بالله إن أردنا). ونحو: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك) ثم الابتداء (بالله إن الشرك) على معنى القسم. ونحو: (فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح). ونحو: (فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا) ويبتدأ: (عليه أن يطوف بهما)، و(علينا نصر المؤمنين) بمعنى واجب أو لازم.

ونحو الوقف على (وهو الله) والابتداء (في السماوات وفي الأرض)، وأشد قبحا من ذلك الوقف على (في السماوات) والابتداء (وفي الأرض يعلم سركم).

ونحو الوقف على (ما كان لهم الخيرة) مع وصله بقوله: (ويختار) على أن: " ما " موصولة.

ومن ذلك قول بعضهم في (عينا فيها تسمى سلسبيلا) أن الوقف على (تسمى) أي: عينا مسماة معروفة، والابتداء (سل سبيلا) هذه جملة أمرية، أي: اسأل طريقا موصلة إليها، وهذا مع ما فيه من التحريف، يبطله إجماع المصاحف على أنه كلمة واحدة.

ومن ذلك الوقف على (لا ريب) والابتداء (فيه هدى للمتقين)، وهذا يرده قوله تعالى في سورة السجدة: (لا ريب فيه من رب العالمين). ومن ذلك تعسف بعضهم، إذ وقف على (وما تشاءون إلا أن يشاء) ويبتدئ (الله رب العالمين)، ويبقي " يشاء " بغير فاعل، فإن ذلك وما أشبهه تمحل، وتحريف للكلم عن مواضعه يعرف أكثره بالسباق والسياق" انتهى من "النشر في القراءات العشر" (1/231).

وانظر جملة من الأمثلة لما أحدثه القراء من الوقف والابتداء المعتمد على ظن المعنى.

والحاصل أنه لا يصح الابتداء بما تعلق بما قبله لفظا ومعنى، ما لم يكن رأس آية، وأنه ينبغي تعلم الوقف والابتداء.

وينظر للفائدة (238948) ، (206946)

والله أعلم.