عنوان الفتوى : تاب من علاقة مع أجنبية ومازال يحبها ومتعلقاً بها
أنا شاب عقدت علاقة مع فتاة ، لم أرتكب معها محرماً ، وعلمت أن ما أفعله لا يجوز شرعاً ، فنقضت صلتي بها وأنهيتها ، ووافقت على ذلك ، لكنني لم أستطع نسيانها ، فأنا أحبها حبّاً جمّاً ولا أستطيع الزواج منها ، وألتقي بها في كثير من الأحيان ، فهل من وسيلة للتخلص من شعوري هذا ونسيان هذه الفتاة ؟ أنا حائر ، وقد تؤدي بي حيرتي إلى أفعال خاطئة .
الحمد لله.
يحرم على الرجل إقامة علاقة مع امرأة أجنبية عنه خارج نطاق الزوجية. وقد سبق بيان ذلك في أجوبة كثيرة منها جواب السؤال ( 23349 ) و ( 9465 ) .
والمحاذير التي يقع فيها أهل هذه العلاقات متعددة ومنها : الخيانة ، والخلوة ، والملامسة ، والنظر ، وهي الطرق التي تؤدي إلى الوقوع في فاحشة الزنا . مع ما في ذلك من فساد القلب، وحيرته وغفلته عما خلق له .
وقد ذكرت أنك لا تستطيع الزواج بها ، فما بقي أمامك إلا الصبر ، ومجاهدة النفس ، وإشغال النفس عنها ، وقد يكون زواجك بغيرها سبباً لنسيانك إياها ، وتجنب ملاقاتها ما وجدت إلى ذلك سبيلاً .
ولتعلم أن الحياة الدنيا كلها قصيرة ، وأقصر منها ما فيها من لذة محرمة ولحظات يعصي فيها الإنسانُ ربَّه سبحانه وتعالى ، والنعيم الأخروي باقٍ دائم ، فكيفَ لعاقلٍ مثلك أن يضحي بذلك النعيم الدائم بلذة طائشة عابرة يسوِّد بها صحيفته ؟ .
ولتعلم أن الله تعالى قد يقدِّر عليكَ الموتَ وأنت على خلوة بها ، فكيف ستلقى ربك تعالى وأنت على هذه الحال ؟ وماذا خلَّفتَ وراءك من فضيحة وعار لأهلك وأهلها ؟ .
ولتعلم أن الله عز وجل قد يعاقبك بابنتك أو أختك ، فأنت رضيتَ أن تلوِّث عرض غيرك فليس لك إلا أن تنتظر عقوبة الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة ، والمسلم الصالح يحفظ الله تعالى أهله وذريته بصلاحه ، والفاسد لا يجلب لأهله وأبنائه وبناته إلا الفساد ، وكيف لا وهو قدوتهم في أفعاله .
فلا وسيلة لترك هذه الفتاة إلا بحياة القلب وتعميره بمحبة الله والخوف من عقابه ، والمحافظة على نعَم الله تعالى من الزوال بسبب هذه المعصية ، والتفكر في عواقب هذا الفعل سواء في الدنيا أو في الآخرة ، فسارع إلى تركها ، واحتسب فعلك هذا لله تعالى ، لترى بعده – إن شاء الله – ما يُنعمه عليك ربك من نعَم الإيمان والتقوى ولذة العبادة .
وإليك أخي السائل هذه الموعظة :
قال ابْنُ السَّمَّاكِ :
هِمَّةُ العَاقِلِ فِي النَّجَاةِ وَالهَرَبِ ، وَهِمَّةُ الأَحْمَقِ فِي اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ ، عَجَباً لِعَيْنٍ تَلَذُّ بِالرُّقَادِ ، وَمَلَكُ المَوْتِ مَعَهَا عَلَى الوِسَادِ ، حَتَّى مَتَى يُبَلِّغُنَا الوُعَّاظُ أَعْلاَمَ الآخِرَة ، حَتَّى كَأَنَّ النُّفُوْسَ عَلَيْهَا وَاقِفَةٌ ، وَالعُيُونَ نَاظرَةٌ ، أَفَلاَ مُنْتَبِهٌ مِنْ نَوْمَتِهِ ، أَوْ مُسْتِيْقظٌ مِنْ غَفْلَتِهِ ، وَمُفِيْقٌ مِنْ سَكْرَتِهِ ، وَخَائِفٌ مِنْ صَرْعَتِهِ ، كَدْحاً لِلدُّنْيَا كَدْحاً ، أَمَا تَجْعَلُ لِلآخِرَةِ مِنْكَ حظّاً ، أُقسِمُ بِاللهِ ، لَوْ رَأَيْتَ القِيَامَةَ تَخفِقُ بِأَهْوَالِهَا ، وَالنَّارَ مُشرِفَةً عَلَى آلِهَا (أي : أهلها) ، وَقَدْ وُضِعَ الكِتَابُ ، وَجِيْءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهدَاءِ ، لَسَرَّكَ أَنْ يَكُوْنَ لَكَ فِي ذَلِكَ الجَمعِ مَنْزِلَةٌ ، أَبَعْدَ الدُّنْيَا دَارُ مُعْتَمَلٍ ، أَمْ إِلَى غَيْرِ الآخِرَةِ مُنْتَقَلٌ ؟
هَيْهَاتَ ، وَلَكِنْ صُمَّتِ الآذَانُ عَنِ المَوَاعِظِ ، وَذَهلَتِ القُلُوْبُ عَنِ المنَافِعِ ، فَلاَ الوَاعِظُ يَنْتَفِعُ ، وَلاَ السَّامِعُ يَنْتَفِعُ . "سير أعلام النبلاء" (8/330) .
والله الهادي .