عنوان الفتوى : أعطتها والدة زوجها عقدا من الذهب ويطالبها ابنها به بعد الطلاق بعد ثلاث سنوات

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أم زوجي قامت بتلبيسي عقدا من الذهب بدون اتفاق مسبق يوم زفافي في صالة الزفاف، وبعد 3 سنوات لم أستطع الاستمرار بالزواج؛ لوجود الكثير من المشاكل، وتم رفع قضية طلاق، وزوجي حاليا يطالب بإرجاع العقد، كما يقول: إنه إرث من أمه، وهذه حصته من الإرث، وتم تلبيسي إياه كنوع من المظاهر أمام الناس. سؤالي: شرعا هل له الحق باستعادته؛ لأنه قانونا كما سألت لا يجوز له، لكن ما رأي الشرع؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله.

أولا:

الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإذا قبضها الموهوب له، لم يحل للواهب أن يرجع فيها، أو يطلبها من الموهوب له.

والأصل في ذلك:

ما رواه البخاري (2589)، ومسلم (1622) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ.

وفي رواية للبخاري (2622)  لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ.

قال في "شرح منتهى الإرادات" (2/437): " (ولا) يصح (رجوع واهب) في هبته (بعد قبض)، ولو نقوطا، أو حمولة في نحو عرس، كما في الإقناع؛ للزومها به. (ويحرم) الرجوع بعده. لحديث ابن عباس مرفوعا العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه متفق عليه.

وسواء عوض عنها أو لم يعوض، لأن الهبة المطلقة لا تقتضي ثوابا" انتهى.

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم:(154616). 

ثانيا:

يستثنى من تحريم الرجوع في الهبة حالتان يجوز فيهما الرجوع فيها:

1 - رجوع الوالد فيما وهبه لولده؛ لما روى أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

2 - من وهب هبة لغرض ولم يتحقق غرضه، وتسمى هبة الثواب، والثواب هنا هو العوض؛ لما روى مالك في الموطأ (1477) أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: " مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا ".

قال الألباني: " وهذا سند صحيح على شرط مسلم " انتهى من "إرواء الغليل" (6/55).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا المنصوص جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة، وهو أن كل من أُهدي أو وُهب له شيء بسببٍ، يثبت بثبوته، ويزول بزواله، ويحرم بحرمته ويحل بحله ... " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/472).

وعليه: فإن كانت الأم حية، وتريد الرجوع في هبتها، لم يجز لها ذلك إلا إن قالت إنها وهبت لك العقد لغرض ولم يتحقق، كحسن العشرة لولدها، وكنت لم تفعلي ذلك خلال هذه المدة.

وأما إن أحسنت عشرته وتحقق الغرض مدة معقولة، ثم أسأت العشرة فليس لها الرجوع.

قال الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (3/288): " وأجرى في توضيحه ما أهداه الزوج لها أو أعطاها بعد البناء، مجرى ما أعطته هي لدوام العشرة، فقال عن أصبغ: إن أهداها لها قبل البناء: فلا شيء له، وإن وجدها [أي الهبة] قائمة؛ لأن الذي أهدى له [وهو البناء]، قد وصل إليه.

وإن أعطاها شيئا بعد البناء، ثم فُسخ نكاحها بحدثان ذلك، فله أخذ ما أعطاها؛ لأنه إنما أعطاها على ثبات الحال، والعشرة.

وإن كان الفسخ بعد طول سنتين أو سنين: فلا أرى له شيئا، وإن وجدها بعينها؛ لأن الذي أعطى له قد رسخ وانتفع به، فالفسخ كطلاق حادث" انتهى.

وإن ماتت الأم: فليس لابنها الرجوع في الهبة لأنه لا يملك ذلك، وقد فات الرجوع بموت الواهب، ولا عبرة بكونه يرث ذلك العقد، أو لا يرثه.

وكذلك لا عبرة بكونه يرث العقد عند حصول الهبة؛ فإن هذا لا يسمى ميراثا، فالميراث إنما يكون بعد وفاة الأم، ولا علاقة للزوجة بكونهم فعلوا ذلك مجاملة؛ فهذه هبة صحيحة يحصل بها الملك للزوجة، ولا يحل لأم الزوج - الواهبة - الرجوع فيها إلا في الحالة التي ذكرنا.

وينظر للفائدة جواب السؤال: (412740).

والله أعلم.