عنوان الفتوى : ربا القروض أشد تحريما وضررا من ربا البيوع

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل إثم ربا البيوع مثل ربا القروض؟

مدة قراءة الإجابة : 3 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما حُرِّم تحريم المقاصد أشد مما حُرم تحريم الوسائل، فالأول: هو ربا القروض، وهو ربا الجاهلية. والثاني: هو ربا الفضل، وهو ربا البيوع. وفي كلٍّ شر.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين: الربا نوعان: جلي وخفي، فالجلي حرم لما فيه من الضرر العظيم، والخفي حرم؛ لأنه ذريعة إلى الجلي؛ فتحريم الأول قصدا، وتحريم الثاني وسيلة. فأما الجلي فربا النسيئة، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية، مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال، وكلما أخره زاد في المال، حتى تصير المائة عنده آلافا مؤلفة؛ وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج؛ فإذا رأى أن المستحق يؤخر مطالبته، ويصبر عليه بزيادة يبذلها له تكلف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقت إلى وقت، فيشتد ضرره، وتعظم مصيبته، ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده، فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخوه على غاية الضرر، فمن رحمة أرحم الراحمين وحكمته وإحسانه إلى خلقه أن حرم الربا، ولعن آكله ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وآذن من لم يدعه بحربه وحرب رسوله، ولم يجئ مثل هذا الوعيد في كبيرة غيره، ولهذا كان من أكبر الكبائر، وسئل الإمام أحمد عن الربا الذي لا شك فيه فقال: هو أن يكون له دين فيقول له: أتقضي أم تربي؟ فإن لم يقضه زاده في المال وزاده هذا في الأجل ... وأما ربا الفضل فتحريمه من باب سد الذرائع، كما صرح به في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين؛ فإني أخاف عليكم الرما» والرما هو الربا، فمنعهم من ربا الفضل لما يخافه عليهم من ربا النسيئة، وذلك أنهم إذا باعوا درهما بدرهمين، ولا يفعل هذا إلا للتفاوت الذي بين النوعين - إما في الجودة، وإما في السكة، وإما في الثقل والخفة، وغير ذلك - تدرجوا بالربح المعجل فيها إلى الربح المؤخر، وهو عين ربا النسيئة، وهذه ذريعة قريبة جدا؛ فمن حكمة الشارع أن سد عليهم هذه الذريعة، ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقدا ونسيئة؛ فهذه حكمة معقولة مطابقة للعقول، وهي تسد عليهم باب المفسدة. اهـ.

والله أعلم.