عنوان الفتوى : حكم قراءة سورة البقرة بنية قضاء مصلحة دنيوية
لفت انتباهي مؤخراً قراءة بعض الإخوة والأخوات، لسورة البقرة، بنية الذرية، والوظيفة، والزواج، وصلاح الأحوال، قراءتها يومياً، مع تحديد عدد معين من الأيام، أو بدون تحديد. هل هذا بدعة؟ ومن قرأها لفضلها، ومعلقاً حصول هذه الأمور بعد مشيئة الله، وبدون تحديد أيام. هل يدخل في البدعة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فلا شك في فضل سورة البقرة، وقد دل الشرع على أن قراءتها بركة، وفي صحيح مسلم مرفوعا: اقْرَؤوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ.
قال القاري في المرقاة: (فَإِنَّ أَخْذَهَا)، أَيِ: الْمُوَاظَبَةُ عَلَى تِلَاوَتِهَا، وَالتَّدَبُّرِ فِي مَعَانِيهَا، وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا (بَرَكَةٌ)، أَيْ: مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ. انتهى.
ولكن لا نعلم أنه قد جاء تخصيص قراءتها لأجل تحصيل الذرية، أو الوظيفة، أو الزواج، لا بعدد، ولا بدون عدد.
والوارد في فضل هذه السورة الكريمة إضافة إلى ما ذكرناه آنفا، هو أن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأُ فيه، وأنها تأتي يوم القيامة مع سورة آل عمران كأنهما غمامتان تحاجان عن صاحبهما، وغير ذلك مما ورد في فضلها.
وقراءتها لأجل تحصيل تلك المنافع الدنيوية فقط، من غير نظر إلى الثواب الأخروي والتقرب إلى الله تعالى؛ قد يدخل في التعبد لله تعالى من أجل تحصيل الدنيا، ومن يفعل الطاعات لأجل الحصول على أمر دنيوي فقط، من غير نية التقرب إلى الله وطاعته, فإن تلك النية تعتبر فاسدة, وعملًا من أجل الدنيا, وقد قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. { هود : 15 و 16}. قال ابن كثير: من عمل صالحًا التماس الدنيا، صومًا أو صلاة، أو تهجدًا بالليل، لا يعمله إلا التماس الدنيا، يقول الله: أُوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين, وهكذا روي عن مجاهد، والضحاك، وغير واحد. اهــ.
ويدل على ذلك أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ. رواه أحمد والحاكم.
والله تعالى أعلم.