عنوان الفتوى : إضاعة الوقت من أشد قطاع الطريق إلى الله والدار الآخرة
نقضي وقتًا لا بأس به على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد كنا في الماضي لا نميز بين الغث والسمين، وصرنا - والحمد لله- ندخل إلى بعض المواقع الإخبارية، والدينية؛ حتى نعلم ما يدور حولنا، وخاصة الدينية، فهي غذاء الروح: من قراءة فتاوى، وقراءة مقالات إسلامية، فهل هذا الوقت الذي نقضيه في هذا الأمر، يعد وقتًا ضائعًا سنسأل عنه يوم الحساب؟ حتى التلفاز لا أشاهد فيه إلا قناة إخبارية، وبعض القنوات الدينية، والوثائقية؛ لأننا في هذا الوقت فقدنا الثقة في الكثير من القنوات الفضائية، وشكرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن متابعة المرء لما يفيده في دينه، أو دنياه، ليس من إضاعة الوقت، وإنما المذموم هو إضاعة الوقت فيما ليس فيه فائدة دينية، أو دنيوية، وإن كان هذا التضييع في فعل محرم، أو يؤدي إلى محرم -كترك الواجبات-، فهو محرم، وراجعي للفائدة الفتويين التاليتين: 347662 - 241975.
وعلى كل حال؛ فينبغي للمسلم أن يحرص على استغلال أوقاته فيما ينفعه، وأن يقدم الأهم والأنفع على ما دون ذلك، فإن العمر قصير، والعاقل من استثمر أوقاته فيما يعود عليه بأعظم العوائد في الأولى والآخرة، فكما يحرص التجار على إحراز أعلى الأرباح من تجارتهم، فكذلك المؤمن في تجارته مع الله؛ رأس ماله هو عمره ووقته في هذه الحياة، فليحرص على استثماره أمثل الاستثمار؛ ليحوز أعلى الأرباح.
والفراغ نعمة الله، وما أكثر من ضيع هذه النعمة! ففي صحيح البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ.
والمرء مسؤول عن وقته بين يدي الله يوم القيامة، كما في الحديث: لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن عمره فيما أفناه .. أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
وإضاعة الأوقات لون من ألوان العقوبة الإلهية للعبد، قال ابن القيم -في ذكر عقوبات الذنوب-: قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهم والغم، وضنك المعيشة، وكسف البال، تتولد من المعصية، والغفلة عن ذكر الله، كما يتولد الزرع عن الماء، والإحراق عن النار اهـ.
وإضاعة الوقت من أشد قطاع الطريق إلى الله، والدار الآخرة، قال ابن القيم: إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله، والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا، وأهلها. اهـ.
وقال أيضًا: عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها: علم لا يعمل به، وعمل لا إخلاص فيه، ولا اقتداء، ومال لا ينفق منه، فلا يستمتع به جامعه في الدنيا، ولا يقدمه أمامه إلى الآخرة، وقلب فارغ من محبة الله، والشوق إليه، والأنس به، وبدن معطل من طاعته وخدمته، ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب، وامتثال أوامره، ووقت معطل عن استدراك فارطه، أو اغتنام بر وقربة، وفكر يجول فيما لا ينفع، وخدمة من لا تقربك خدمته إلى الله، ولا تعود عليك بصلاح دنياك، وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله، وهو أسير في قبضته، ولا يملك لنفسه حذرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.
وأعظم هذه الإضاعات إضاعتان، هما أصل كل إضاعة: إضاعة القلب، وإضاعة الوقت: فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة، وإضاعة الوقت من طول الأمل؛ فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى، وطول الأمل، والصلاح كله في اتباع الهدى، والاستعداد للقاء الله.
وراجع للفائدة الفتوى: 222730.
والله أعلم.