عنوان الفتوى : حديث " الأئمة من قريش "

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل ورد حديث يحصر الخلافة أو الإمامة فى قريش، وهل له أثر بين المسلمين فى العصر الحاضر؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

موضوع الخلافة أو الإمامة الكبرى أولاه المسلمون عناية بالغة منذ الساعات الأولى بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وتحدث عنه علماء التوحيد وفقهاء المذاهب، وقرر جمهورهم أن نصب الإمام واجب، بصرف النظر عن كون الوجوب عقليا أو سمعيا، وأوردوا آيات وأحاديث، وقرروا أن المسلمين مجمعون على ذلك، غير آبهين بأقوال شاذة لبعض الفرق، ووضعوا شروطا لمن يصلح للإمامة أشرت إليها فى كتابى "الإسلام هو الحل " الذى طبع مرة ثانية بعنوان "المنهج السليم إلى طريق الله المستقيم " ويهمنا هنا من الشروط ما يتصل بالسؤال وهو حديث "الأئمة من قريش " وخلاصة ما قيل فى ذلك ما يأتى: روى البخارى ومسلم حديثا عن النبى صلى الله عليه وسلم ورد بألفاظ متقاربة جاء فيها أن الناس تبع لقريش، وأن الأئمة يكونون منهم، ويؤخذ من كلام الماوردى المتوفى سنة 450 هـ فى كتابه "الأحكام السلطانية" ومن كلام النووى المتوفى سنة 676 هـ فى شرح صحيح مسلم "ج 12 ص 199 وما بعدها" ومن كلام الإيجى من علماء القرن الثامن الهجرى فى كتابه "المواقف فى علم الكلام " ومن كلام ابن خلدون المتوفى سنة 808 ط فى كتابه "المقدمة" ومن مصادر أخرى: أن الناس فى اشتراط القرشية فى الخليفة فريقان: الفريق الأول: يشترط فى الخليفة -إلى جانب الشروط الأخرى - أن يكون قرشيا، وهو رأى الجمهور الذى قال به أهل السنة، وأكثر الزيدية وأكثر المرجئة، وسائر فرق الشيعة ومن أدلتهم على ذلك: ا - حديث البخارى ومسلم "لا يزال هذا الأمر فى قريش ما بقى من الناس اثنان " ب - حديث مسلم "الناس تبع لقريش فى الخير والشر" ومعناه فى الإسلام والجاهلية كما هو مصرح به فى رواية لمسلم "الناس تبع لقريش فى هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم " لأنهم كانوا فى الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب الحرم، ولما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس ودخلوا فى دين الله أفواجا، وكذلك فى الإسلام هم أصحاب الخلافة والناس تبع لهم. . ي - حديث "قدموا قريشا ولا تَقَدَّموها" أى لا تتقدموا عليها. أخرجه الشافعى فى المسند والبيهقى فى المعرفة، كلاهما عن ابن شهاب الزهرى بلاغا، أى قال: بلغنا عن رسول الله ذلك. وابن عدى فى الكامل عن أبى هريرة وصححه السيوطى. وورد فى حديث ثالث أخرجه البزار فى مسنده عن على وصححه السيوطى "فيض القدير للمناوى على الجامع الصغير ج 4 ص 511". د- الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على عدم مزاحمة قريش فى الخلافة إلى عصر النووى ومن كتبوا فى هذا الموضوع. ويستند الإجماع إلى الحديث القائل "ما بقى من الناس اثنان ". يقول القاضى عياض -كما نقله النووى-: اشتراط كونه قرشيا هو مذهب العلماء كافة، قال: وقد احتج به أبو بكر وعمر رضى الله عنهما على الأنصار يوم السقيفة - سقيفة بنى ساعدة - فلم ينكره أحد، وبيان ذلك أن المسلمين لما اجتمعوا فى السقيفة عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم لاختيار خليفة له، بايع الأنصار سعد بن عبادة، وقالوا للمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير، فاحتجت قريش - المهاجرون - على الأنصار بهذا الحديث وقالوا لهم: إن النبى صلى الله عليه وسلم أوصانا بأن نحسن إلى محسنكم ونتجاوز عن مسيئكم، ولو كانت الإمارة فيكم لم تكن الوصية لكم، فرجع الأنصار عن قولهم. والذين حصروا الخلافة فى قريش اختلفوا فى تعميمها فى كل قريش أو تخصيصها ببعض منهم، كبنى عبد المطلب أو بنى أمية أو غيرهما، وذهب ببعضهم التعصب إلى حد التجاوز عن الشروط الأخرى التى يجب توافرها فى الإمام، فأجازوا عقدها للقرشى ولو كان عاجزا عن القيام بأمور المسلمين. الفريق الثانى: لا يشترط القرشية فى الإمام، وهو قول المعتزلة وجماعة الزيدية، وجميع الخوارج إلا النجدات. وقد حمل عليهم أصحاب الرأى الأول حملة عنيفة، جاء منها قول القاضى عياض -كما نقله النووى-: لا اعتداد بقول النظَّام -من المعتزلة -ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع إنه يجوز كونه من غير قريش، ولا بسخافة ضرار ابن عمرو " الغطفانى " فى قوله: إن غير القرشى من النبط وغيرهم يقدم على القرشى. لهوان خلعه إن عرض منه أمر، وهذا الذى قاله من باطل القول وزخرفته، مع ما هو عليه من مخالفة إجماع المسلمين "النووى على مسلم ج 12 ص 200 ". استند هذا الفريق إلى ما يأتى: ا-أن الله لم ينص على رجل بعينه، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على ذلك، ولا اجتمع المسلمون عندهم على رجل بعينه، فاختيار ذلك مفوض إلى الأمة، ورد عليهم الجمهور بأنه لم ينص على رجل، وإنما نص على النوعية أو الجماعة التى يكون منها، وهى قريش. ب - الحديث الصحيح " اسمعوا وأطيعوا وإن ولِّى عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة" وهذا يدل على أنه يجوز أن يكون الإمام عبدا حبشيا وليس قرشيا، وردَّ عليه بأن الحديث خرج مخرج التمثيل والفرض، وذلك للمبالغة فى وجوب السمع والطاعة. جـ - قول عمر بن الخطاب: لو كان سالم مولى أبى حذيفة حيًا ما جعلتها شورى، أو لوليته، أو لما دخلتنى فيه الظنة ورُدَّ عليه بأن مذهب الصحابى ليس بحجة، أو بأن مولى القوم منهم وعصبية الولاء حاصلة لسالم فى قريش، وعندما استعظم عمر أمر الخلافة ورأى شروطها كأنها مفقودة فى ظنه عدل إلى سالم لتوفر هذه الشروط فيه حتى من النسب المفيد للعصبية. د-الإجماع: فالاختيار جرى فى أمصار، ولم يَبدُ نكير عن عالم على أصل الاختيار، وردَّ عليه بأن الاختيار فى الأمصار لم يكن للخليفة العام بل لأمراء فى الأقاليم أو لحكام فى ولايات استقلت. هذا ملخص ما قيل فى اشتراط القرشية وعدم اشتراطها، والذى رآه كبار المحققين، وهو موافق لروح الشريعة وحكمة الشروط التى اشترطت فى الإمامة، ما يلى: ا - أن الإمام لابد أن تكون فيه الكفاية للقيام بمهمته، من سلامة الجسم وسلامة الفكر واستقامة السلوك، ومن الهيبة التى يحترمه بها الصديق ويخشاه العدو، وهذه الهيبة لها عدة عوامل، قد يكون منها أصالة النسب وقوة العشيرة ووفرة الغنى وكثرة الانتصارات فى ميادين الإصلاح وغير ذلك. 2 - أن اشتراط القرشية التى نص عليها الحديث، ليس المقصود منه التبرك بالانتساب إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعشيرته، فليس ذلك من مقاصد الإمامة، وإنما من مقاصدها قوة النفوذ وهيبة السلطان لتحقيق المصلحة للأمة ودفع الشر عنها، وإذا كان الحديث متفقا مع هذا المقصد فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم وبعدها بقليل، فربما لا يتفق فى وقت آخر، فيكون واقعة حال لا يتعداها، ولا تُلتزم بعد ذلك. 3 - وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم جعل الخلافة فى قريش مؤبدة "ما بقى فى الناس اثنان " فليس ذلك على إطلاقه، بل هو مشروط بتوافر العوامل الأخرى فيهم حتى تكون من حقهم، ويدل على ذلك ما رواه أحمد برواة ثقات والبزار والدارقطنى وهو: أن النبى صلى الله عليه وسلم وقف على باب بيت فيه نفر من قريش وقال "إن هذا الأمر فى قريش ما إذا استُرحموا رحموا وإذا حكموا عدلوا، وإذا قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل " وجاء فى رواية لأحمد عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "الأئمة من قريش، إن لى عليكم حقا ولهم عليكم حقا مثل ذلك، ما إن استرُحموا رحموا، وإن عاهدوا وفُّوا، وإن حكموا عدلوا. . . " وهذا ما أميل إليه من أن العبرة بوجود الشروط التى تليق بمقام الإمامة وتساعد على تحقيق المصلحة العامة، ولا يغيب عنا قوله صلى الله عليه وسلم "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فقد ضيعت الأمانة " رواه البخارى، وما جاء من الأحاديث التى تنهى عن تولية من ليس كفؤا للولاية فى أى قطاع من القطاعات، وما فعله صلى الله عليه وسلم من تفضيله تولية القيادة والإمارة من يصلح أكثر من غيره من السابقين فى الإسلام، ومن عدم الاستجابة لأبى ذر عندما طلب منه ولاية، حيث قال له "إنك ضعيف وإنها أمانة" رواه مسلم. ولعل بعض القائلين بعدم اشتراط القرشية فى الإمامة لاحظوا فى أزمانهم ذهاب القوة التى كان يتمتع بها القرشيون. وقد أشار إلى ذلك ابن خلدون فى مقدمته فقال: ومن القائلين بنفى اشتراط القرشية أبو بكر الباقلانى لما أدرك ما عليه عصبية قريش من التلاشى والاضمحلال واستبداد ملوك العجم على الخلفاء، فأسقط القرشية وإن كان موافقا لرأى الخوارج لما رأى عليه حال الخلفاء لعهده

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...