عنوان الفتوى : أقرضت زوجها فهل يجوز لها أن تأخذ من مصروف البيت قدر الدين لأن زوجها لا يدخر المال؟
أقرضت زوجي مالا، فهل يجوز لي أن أدخر من مصروف البيت الذي يعطيني إياه قصد تسديد دينه، مع العلم إنه يلعب قمارا، ولا يدخر للمستقبل؟ وهل يجوز له بعدما اشترى لي ذهبا كهدية ثم قال لي: احتسبيه من مالك الذي اقترضته منك؟
الحمد لله.
أولا:
حكم أخذ المرأة من مال زوجها دون علمه
الأصل أنه لا يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه، لكن يستثنى من ذلك أمران:
1-أن تأخذ النفقة الواجبة إن كان بخيلا بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (5364).
2-أن يكون لها حق أو دين عليه، فيأبى سداده، ولا تجد وسيلة مشروعة لأخذ حقها، فيباح أن تأخذ من ماله قدر حقها، وهو ما يعرف عند أهل العلم بمسألة الظفر بالحق.
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم:(171676) أن الأخذ بمسألة الظفر مقيد بثلاثة أمور، تُعلم من مقاصد الشريعة وقواعدها، ومما قاله أهل العلم:
الأول: ألا يأخذ أكثر من حقه.
الثاني: أن يأمن الفضيحة والعقوبة.
الثالث: ألا يمكنه الوصول إلى حقه عن طريق القضاء، لعدم وجود البينة لديه، أو لسوء إجراءات التقاضي وما يصحبه من كلفة وتأخر.
فإن اختل شرط من هذه الشروط لم يجز له العمل بمسألة الظفر.
وإن توفرت هذه الشروط، جاز أن تأخذي من مال زوجك قدر حقك.
ولو اتفقت معه على أنك ستوفرين من المصروف قدر دينك، فسمح بذلك، فهذا جائز اتفاقا وهو أطيب.
ثانيا:
حكم رجوع الزوج في الهدية التي أهداها لزوجته
إذا أهدى لك زوجك ذهبا، ثم عاد فقال: إنه من دينك، فهذا رجوع منه في الهبة.
والرجوع في الهبة بعد القبض محرم، إلا إذا كان وهبك لغرض معين كحسن العشرة، ولم يتحقق له غرضه؛ فله الرجوع في الهبة.
روى البخاري (2589)، ومسلم (1622) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ).
وفي رواية للبخاري (2622) (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ).
وروى أبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا، إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا؛ كَمَثَلِ الْكَلْبِ: يَأْكُلُ؛ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ، ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ). والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
واستثنى جماعة من الفقهاء الهبة التي يراد بها العوض، لأنها ليست تبرعا محضا، فإذا لم يحصل له عوضه - من جهة الموهوب له -، جاز له الرجوع في هبته.
ويدل لذلك ما روى مالك في "الموطأ" (1477) أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: "مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ: فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ، يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا".
قال الألباني: "وهذا سند صحيح على شرط مسلم" انتهى من "إرواء الغليل"(6/55).
والثواب هنا: المراد به العوض، والغرض.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا المنصوص: جار على أصول المذهب، الموافقة لأصول الشريعة، وهو أن كل من أُهدي أو وُهب له شيء بسببٍ، يثبت بثبوته، ويزول بزواله، ويحرم بحرمته ويحل بحله" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/472).
فإذا لم يكن أهدى لغرض، أو أهدى لغرض وتحقق، فإنه يحرم ولا يصح رجوعه في الهبة، ويكون الذهب لك هدية، والدين بحاله.
والله أعلم.