عنوان الفتوى : تزوجها بلا ولي ولا شهود ثم طلقها ثلاثا فهل يحل له أن يتزوجها؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

عقدت النية للزواج بامرأة مطلقة برغبتنا، ولكن كانت تخاف من إخبار أهلها؛ بسبب رفضهم للرجل المتزوج، واقترحت الزواج بشكل مؤقت عرفيا؛ حتي لا نقع في الذنب، على الرغم من معرفتي السابقة بعدم جواز العقد بدون ولي، ولكن بسؤال بعض الناس قالوا: بجوازه عند الحنفية، جهزت العقد العرفي موقع من اثنين شهود دون أن يروها، يعرفونها اسما فقط، وحين التوقيع على العقد مني ومنها رفضت عدم إخبار الشهود لعدم الثقة بكتم السر، ودخلت بها، بعد شهرين أصررت بإبلاغ الشهود لعدم إطمئناني للعقد، وبالفعل وافقت، وتم الاتصال تليفونيا بهم لإبلاغهم بالزواج أمامهم، ولم يروها، وبعد فترة أريتهم بطاقتها الشخصية بناءً علي طلبهم، كان في داخلي طيلة الوقت بحرمانية الوضع القائم، لكن للأسف كنت مستمرا في الوضع؛ لحبي لها، وأملا لتصحيح الوضع، طلبت منها علي مدار سنتين إصلاح الزواج بتقدمي لأهلها رسمياً مرات عديدة، ولكن لم تقدم هي علي الخطوة خوفاً من رفض أهلها، وإبعادنا عن بعضنا، في خلال مدة عقدنا حدث طلاق مرتين بسبب مشاكل كثيرة، أغلبها لوضع زواجنا الغير مستقر، والمشكوك فيه، طلبنا فتوى دار الإفتاء المصرية وأقرت الزواج بدون الولي، مع عدم علمهم بموضوع الشهود، والآن تم الطلاق للمرة الثالثة بعد تكرار طلبي للتقدم لأهلها وعدم تقبلي للوضع، علي الرغم أنه آخر مرة كانت تعدني أنها ستبلغهم، ونبدأ في الإجراءات بعد إصراري علي الإنفصال، ولكن هذه المرة أنا رفضت، وقلت: الوقت نفذ لأني أحسست بإهانه لنفسي، وتمت الطلقة الثالثة، بعدها بدأت أستطلع موضوع الشهود فرأيت الكثير من الفتاوى بأن النكاح باطل، وبالتالي بطلان الطلاق، أود معرفة إمكانية عقد الزواج بها بطريقة شرعية دون الإخلال بالشروط إذا كان الزواج السابق باطلا؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.

أولا:

ما قمتما به من النكاح بلا ولي ولا شهود منكر عظيم، ومن أقدم على ذلك عالما بالتحريم فهو زان يستحق الحد عند جماعة من الفقهاء.

قال في "مغني المحتاج" (4/ 245) : " أما الوطء في نكاح، بلا ولي ولا شهود فإنه يوجب الحد جزما، لانتفاء شبهة العلماء" انتهى.

وخالف بعضهم فأسقط الحد مراعاة لخلاف داود الظاهري.

قال الشرواني في "حاشية تحفة المحتاج" (7/238): " ( قول المتن بلا ولي ) أو بولي بلا شهود، أما الوطء في نكاح بلا ولي ولا شهود فإنه يوجب الحد جزما، لانتفاء شبهة اختلاف العلماء ا هـ مغني، خلافا للنهاية عبارتها: أما الوطء في نكاح بلا ولي ولا شهود، فلا حد فيه، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى. وسيأتي مبسوطا في باب الزنا ا هـ قال ع ش قوله : فلا حد إلخ أي ويأثم. وقوله: كما أفتى به الوالد إلخ أي لقول داود بصحته , وإن حرم تقليده لعدم العلم بشرطه عنده ا هـ " انتهى.

وقال في "كشاف القناع" (5/97): "( وَمِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فِيهَا ذُكِرَ (إذَا تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ، وَاعْتَقَدَهُ نِكَاحًا جَائِزًا). قُلْتُ : أَوْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ كَذَلِكَ؛ (فَإِنَّ الْوَطْءَ فِيهِ وَطْءُ شُبْهَة يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ فِيهِ) لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ (وَيَسْتَحِقَّانِ الْعُقُوبَةَ) أَيْ التَّعْزِيرَ (عَلَى مِثْلِ هَذَا الْعَقْدِ) لِتَعَاطِيهِمَا عَقْدًا فَاسِدًا" انتهى.

فالواجب التوبة والتضرع إلى الله تعالى أن يقبلها والإكثار من العمل الصالح.

ثانيا:

هذا النكاح يعده جماعة من الفقهاء باطلا، وبعضهم يحكي الاتفاق على ذلك بناء على عدم مراعاة خلاف داود الظاهري. وينظر: "مجموع الفتاوى لابن تيمية" (32/102)، "الفتاوى الفقهية" لابن حجر المكي(4/105).

والصواب أنه لا ينعقد الإجماع مع مخالفته.

وقد نسب يحي بن أبي الخير العمراني في "البيان" (9/221)، و (9/ 153) إلى داود الظاهري أن الشهادة غير مشترطة في النكاح، وأن الثيب يصح زواجها بلا ولي.

ونسب الماوردي إليه في "الحاوي" (9/57) و (9/ 38) أن الشهادة غير واجبة، وأن الثيب يصح زواجها بلا ولي.

وقال الجمل في "حاشيته على المنهج" (4/202) : " لأن النكاح بلا ولي ولا شهود لم يجمع أئمتنا على بطلانه بدليل أن داود الظاهري يرى صحة النكاح بغير الولي والشهود" انتهى.

وقال البجيرمي في "حاشيته على شرح المنهج" ­(4/110): ” (قوله: بلا ولي) وكذا بلا ولي ولا شهود، وهو مذهب داود، وهذا في الثيب خلافا للشارح ح ل وس ل" انتهى.

وقال الشرواني (9/106): " وعبارة المغني: ويجب في الوطء في نكاح بلا ولي ولا شهود. قال القاضي: إلا في الثيبة فلا حد فيها، لخلاف مالك فيه اهـ ولعل صوابه: لخلاف داود. عبارة البجيرمي: وكذا بلا ولي ولا شهود، وهو مذهب داود. وهذا في الثيب خلافا للشارح, يعني شيخ الإسلام.. " انتهى.

وقال ابن قدامة في "المغني" (9/57): " ولا يجب الحد بالوطء في نكاح مختلف فيه، كنكاح المتعة، والشغار، والتحليل، والنكاح بلا ولي ولا شهود، ونكاح الأخت في عدة أختها البائن، ونكاح الخامسة في عدة الرابعة البائن، ونكاح المجوسية. وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لأن الاختلاف في إباحة الوطء فيه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، أن الحدود تدرأ بالشبه" انتهى.

وعليه؛ فيكون نكاح الثيب بلا ولي ولا شهود من الأنكحة المختلف فيها، فيقع الطلاق الواقع فيها كما يقع في الأنكحة الفاسدة التي لم يجمع على بطلانها.

ثم إنك ذكرت أنه بعد شهرين من زواجك تم الاتصال تليفونيا بالشهود لإبلاغهم بالزواج، من أجل تصحيح العقد، فيكون ذلك – على اعتقادك الأقل - نكاحا بلا ولي فقط، ويلحقك فيه الطلاق عند أكثر العلماء.

وليس من الدين أن يعيش الإنسان مع امرأة بهذا النكاح، ويطلقها ثلاث طلقات، ثم يعود فيقول: إنه نكاح باطل لا يلحقني فيه الطلاق!!

وهل هذا إلا اللعب المحض بأحكام الله وآياته، واتباع الهوى، أينما كان يركبه صاحبه؟!

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إن كان قد طلقها ثلاثا: فقد وقع به الطلاق .

وليس لأحد بعد الطلاق الثلاث أن ينظر في الولي: هل كان عدلا أو فاسقا؛ ليجعل فسق الولي ذريعة إلى عدم وقوع الطلاق، فإن أكثر الفقهاء يصححون ولاية الفاسق، وأكثرهم يوقعون الطلاق في مثل هذا النكاح، بل وفي غيره من الأنكحة الفاسدة.

وإذا فرع على أن النكاح فاسد، وأن الطلاق لا يقع فيه، فإنما يجوز أن يستحل الحلال، من يحرم الحرام، وليس لأحد أن يعتقد الشيءَ حلالا حراما.

وهذا الزوج كان يستحل وطأها قبل الطلاق، ولو ماتت لورثها، فهو عامل على صحة النكاح، فكيف يعمل بعد الطلاق على فساده؟!

فيكون النكاح صحيحا إذا كان له غرض في صحته، فاسدا إذا كان له غرض في فساده.

وهذا القول يخالف إجماع المسلمين، فإنهم متفقون على أن من اعتقد حل الشيء؛ كان عليه أن يعتقد ذلك، سواء وافق غرضه أو خالفه، ومن اعتقد تحريمه، كان عليه أن يعتقد ذلك في الحالين.

وهؤلاء المطلقون لا يفكرون في فساد النكاح بفسق الولي إلا عند الطلاق الثلاث، لا عند الاستمتاع والتوارث؛ يكونون في وقت يقلدون من يفسده، وفي وقت يقلدون من يصححه؛ بحسب الغرض والهوى.ومثل هذا لا يجوز باتفاق الأمة !!" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/204).

وينظر جواب السؤال رقم: (372507).

والله أعلم.