عنوان الفتوى : هل للزوجة أن تخير زوجها بين الطلاق أو البقاء معه دون إعطائه حقه لأجل الأولاد؟
هل يحق للزوجة أن تطلب من زوجها أن ينفصلا دون طلاق، وأن يكملا حياتهما فقط من أجل الأطفال، ولا تعطيه حقوقه الزوجية، فقط بينهما سلام وكلام عند الضرورة، والزوج لا يقبل بهذا الحل، وفي حال رفضه لهذا الحل تريد الطلاق أو أن يخرج أحدهما من المنزل؟ مع العلم بأنه لا يقصر بحقها، ويريد أن تعود حياتهما لسابق عهدها، وهي ترفض حتى المحاولة، وفي حال قبل بالانفصال دون طلاق على مضض، وهو مجبر على هذا؛ كي لا يطلقها، فهو لا يريد الطلاق، في هذه الحالة هل الزوجة أو الزوج مذنب أو لا أحد منهما مذنب؟
الحمد لله.
أولا:
يحرم على الزوجة طلب الطلاق لغير لعذر؛ لما روى أحمد (22440)، وأبو داود (2226)، والترمذي (1187)، وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة والحديث صححه، ابن خزيمة، وابن حبان، كما ذكر الحافظ في "الفتح" (9/403)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"، وشعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند.
ومن الأعذار كونه يضربها أو يشتمها ويهينها.
فإن لم يكن منه إساءة، لكنها أبغضته وكرهت العيش معه لدمامة مثلا، فلها طلب الخلع؛ لما روى البخاري (5273) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: " أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً.
وعند ابن ماجه (2056) (لا أطيقه بغضاً) صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
وعند أحمد (16095): (وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا).
ثانيا:
إذا وجد ما يدعو للطلاق أو الخُلع، فخيرت الزوجة زوجها بين ذلك أو البقاء معه دون إعطائه حقه، فلا شيء عليها، والخيار له، إن شاء طلقها، وإن شاء خالعها- إذا لم يكن مضرا بها-، وإن شاء عاش معها على ما تريد، وينبغي له أن يتزوج من ثانية حينئذ.
وأما إذا لم يوجد ما يدعو للطلاق أو الخلع، فإنها تأثم بطلب الطلاق أو الخلع، وتأثم بعدم إعطاء زوجها حقه، وتكون بذلك ناشزا، وعليه أن يسلك معها ما أرشد الله إليه من الوعظ والهجر والضرب، أو تحكيم حكمين من أهله وأهلها، كما قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا النساء/34، 35.
قال السعدي رحمه الله في تفسيره ص 176: " وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ أي: ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن، بأن تعصيه بالقول أو الفعل؛ فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل، فَعِظُوهُنَّ؛ أي: ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته، والترغيب في الطاعة، والترهيب من معصيته، فإن انتهت، فذلك المطلوب، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع، بأن لا يضاجعها، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح، فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور، وأطعنكم: فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا؛ أي: فقد حصل لكم ما تحبون، فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها، ويحدث بسببه الشر.
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا أي: له العلو المطلق بجميع الوجوه والاعتبارات، علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، الكبير الذي لا أكبر منه، ولا أجل ولا أعظم، كبير الذات والصفات.
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا.
أي: وإن خفتم الشقاق بين الزوجين، والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل منهما في شق: فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا؛ أي: رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ "الحَكم"؛ لأنه لا يصلح حكما إلا من اتصف بتلك الصفات. فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يُلزمان كلا منهما ما يجب، فإن لم يستطع أحدهما ذلك، قنَّعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه.
فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما، إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح: فرقا بينهما. ولا يشترط رضا الزوج، كما يدل عليه أن الله سماهما حكمين، والحكم يحكم ولو لم يرض المحكوم عليه، ولهذا قال: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا أي: بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب ويؤلف بين القرينين" انتهى.
نسأل الله أن يصلح حالكما، ويقيكما نزغات الشيطان.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |