عنوان الفتوى : قول: كانت الريح طيبة والملاح حاذقا، هل هي شرك أكبر، أم كفر نعمة؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

يرى ابن تيمية رحمه الله تعالى أن عبارة (كانت الريح طيبة والملاح حاذقا) تعد شركا. فما ترجيح فضيلتكم في هذه المسألة؟ وما ترجيح الجمهور؟ ونفع الله بعلمكم.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالعبارة المشار إليها ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى نقلا عن بعض السلف، ونقلها عنه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد في باب قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ {النحل:83}.
ولم يُصرح شيخُ الإسلام ابن تيمية ولا الشيخُ محمدٌ هل هي شركٌ أكبرٌ أم أصغرٌ؟

قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى:
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ {زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجهني قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَاكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ} . وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَذُمُّ سُبْحَانَهُ مَنْ يُضِيفُ إنْعَامَهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُشْرِكُهُ بِهِ، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: هُوَ كَقَوْلِهِمْ: كَانَتْ الرِّيحُ طَيِّبَةً، وَالْمَلَّاحُ حَاذِقًا ... اهـــ

وإيراده لهذه الجملة (كَانَتْ الرِّيحُ طَيِّبَةً، وَالْمَلَّاحُ حَاذِقًا) بعد ذكره لحديث "مطرنا بنوء كذا" وفي نفس الباب هذا يعني أنهما من جنس واحد عنده، فكما أن الذي نسب حصول المطر إلى الأنواء وقع في الكفر بالله، فكذا من نسب حصول السلامة في البحر إلى الريح والملاح وقع في الكفر بالله.

قال الإمام النووي في شرح حديث "مطرنا بنوء كذا":
وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: هُوَ كُفْرٌ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَالِبٌ لِأَصْلِ الْإِيمَانِ مُخْرِجٌ مِنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ. قَالُوا وَهَذَا فِيمَنْ قَالَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا أن الكوكب فاعل مدبر منشئ لِلْمَطَرِ كَمَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُ، وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَالشَّافِعِيُّ مِنْهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. قَالُوا: وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءٍ كَذَا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبِرَحْمَتِهِ، وَأَنَّ النَّوْءَ مِيقَاتٌ لَهُ وَعَلَامَةٌ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ مُطِرْنَا فِي وَقْتِ كَذَا، فَهَذَا لَا يَكْفُرُ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَتِهِ، وَالْأَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ لَكِنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا إِثْمَ فِيهَا، وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهَا كَلِمَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ فَيُسَاءُ الظَّنُّ بِصَاحِبِهَا، وَلِأَنَّهَا شِعَارُ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي أَصْلِ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ: أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِاقْتِصَارِهِ عَلَى إِضَافَةِ الْغَيْثِ إِلَى الْكَوْكَبِ وَهَذَا فِيمَنْ لَا يَعْتَقِدُ تَدْبِيرَ الْكَوْكَبِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ فِي الْبَابِ: أَصْبَحَ مِنَ النَّاسِ شَاكِرٌ وَكَافِرٌ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ. فَقَوْلُهُ بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِالنِّعْمَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهــــ
وهذا الذي درج عليه شراح كتاب التوحيد فقد ذكروا أن جملة (كَانَتْ الرِّيحُ طَيِّبَةً، وَالْمَلَّاحُ حَاذِقًا ) قد تكون شركا أكبر، وقد تكون من كفر النعمة على حسب اعتقاد قائلها، قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه لكتاب التوحيد عن هذا الباب الذي ذُكرت فيه تلك العبارة:
هذا الباب معقود لألفاظ يكون استعمالها من الشرك الأصغر، ذلك أن فيها إضافة النعمة إلى غير الله .... وهذا الشرك وكفر النعمة ليس من الكفر والشرك المخرِج من الملّة، إذا كان الإنسان يعتقد أنّ إضافة النعمة إلى الشيء من إضافة المسبّب إلى سببه، وإنّما المنعم هو الله ... أما إذا اعتقد أنّ النعم من إحداث المخلوق ومن صُنع المخلوق، فإنّ هذا كفرٌ أكبر يُخرِجُ من الملّة. اهـــ.
وقولك "وما ترجيح الجمهور" إن كنت تعني هل هي من الشرك أم لا؟ فإننا لم نقف على كلام لجمهور أهل العلم في هذه الجملة بذاتها "كَانَتْ الرِّيحُ طَيِّبَةً، وَالْمَلَّاحُ حَاذِقًا" وأنت ترى أن شيخ الإسلام نسبها لبعض السلف وليس للجمهور، ولا نظن أن العلماء يختلفون في ذلك التفصيل الذي ذكرناه.

والله تعالى أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
حكم فعل عبادة لغير الله
هل صرف العبادة لغير الله شرك محض أم يجب أن يقترن به نية التعبد؟
طاعة المخلوق في المعصية... رؤية شرعية
أحكام دعاء الجن، ودعاء الغائب
بكاء وخوف من وقع في الشرك هل يعد من الندم؟
قصد غير الله بالعبادة
الشرك الذي لا يغفره الله
حكم فعل عبادة لغير الله
هل صرف العبادة لغير الله شرك محض أم يجب أن يقترن به نية التعبد؟
طاعة المخلوق في المعصية... رؤية شرعية
أحكام دعاء الجن، ودعاء الغائب
بكاء وخوف من وقع في الشرك هل يعد من الندم؟
قصد غير الله بالعبادة
الشرك الذي لا يغفره الله