عنوان الفتوى : معنى قوله تعالى "وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ"
قال الله تعالى : (ولا تبطلوا أعمالكم) ما هي الأشياء التي تبطل العمل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33]. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أمر تبارك وتعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، التي هي سعادتهم في الدنيا والآخرة، ونهاهم عن الارتداد الذي هو مبطل للأعمال، ولهذا قال تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ أي بالردة، ولهذا قال بعدها: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ [محمد:34]. اهـ فتبين بهذا النقل عن ابن كثير أن المقصود بقوله: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ أن الردة والكفر بعد الإيمان هو المحبط للعمل. ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وقوله أيضًا: ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]. فالشرك هو المحبط للعمل، سواءً كان شركًا أكبر مُخرجًا من الملة، أو شركًا أصغر، كيسير الرياء إذا خالط العمل، فإنه يحبطه. ومما يحبط العمل التَّأَلِّي على الله عز وجل في تضييق رحمته عن عباده ، وهو الحلف، فقد روى مسلم عن جندب مرفوعًا: قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان. فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألَّى عليَّ أن لا أغفر لفلان، إني قد غفرت له وأحبطت عملك. فهذا الرجل حبط عمله، لأنه أقسم أن الله لن يغفر لفلان، وهذا بيد الله عز وجل، فإنه يغفر لمن يشاء من عباده. وكذلك مما يحبط العمل العُجْبُ، فإنه ليس بأقل خطرًا من التَّألِّي على الله عز وجل المذكور . ويحبط العمل أيضًا المنُّ، فمن تصدق بصدقة ثم مَنَّ بها على المتصدق عليه، أو أذاه، فإنه يحبط بذلك أجر صدقته؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة:264]. والله أعلم.